" صفحة رقم ٤٢٣ "
وقال الزمخشري فإن قلت : لم جاز إفراده بنصب الحال دون المعطوفين عليه، ولو قلت : جاءني زيد وعمر وراكباً لم يجز ؟
قلت : إنما جاز هذا لعدم الإلباس، كما جاز في قوله :) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ( إن انتصب : نافلة، حالاً عن : يعقوب، ولو قلت : جاءني زيد وهند راكباً، جاز لتميزه بالذكورة. انتهى كلامه.
وما ذكر من قوله في : جاءني زيد وعمرو راكباً، أنه لا يجوز ليس كما ذكر، بل هذا جائز، لأن الحال قيد فيمن وقع منه أو به الفعل، أو ما أشبه ذلك، وإذا كان قيداً فإنه يحمل على أقرب مذكور، ويكون راكباً حالاً مما يليه، ولا فرق في ذلك بين الحال والصفة، لو قلت : جاءني زيد وعمرو الطويل. لكان : الطويل، صفة : لعمرو، ولا تقول : لا تجوز هذه المسألة، لأنه يلبس بل لا لبس في هذا، وهو جائز فكذلك الحال.
وأما قوله : في : نافلة، إنه انتصب حالاً عن : يعقوب، فلا يتعين أن يكون حالاً عن : يعقوب، إذ يحتمل أن يكون : نافلة، مصدراً كالعافية والعاقبة. ومعناه : زيادة، فيكون ذلك شاملاً لإسحاق ويعقوب، لأنهما زيدا لإبراهيم بعد ابنه إسماعيل وغيره، إذ كان إنما جاء له إسحاق على الكبر، وبعد أن عجزت سارة وأيست من الولادة، وأولاد إبراهيم غير إسماعيل وإسحاق مديان، ويقال : مدين، ويشتاق، وشواح، وهو خاضع، ورمران وهو محدان، ومدن، ويقشان وهو مصعب، فهؤلاء ولد إبراهيم لصلبه. والعقب الباقي منهم لإسماعيل وإسحاق لا غير.
قال الزمخشري : فإن قلت : ما المراد بأولي العلم، الذين عظمهم هذا التعظيم حيث جمعهم معه ومع الملائكة في الشهادة على وحدانيته وعدله ؟
قلت : هم الذين يثبتون وحدانيته وعدله بالحجج القاطعة، والبراهين الساطعة، وهم علماء العدل والتوحيد. انتهى.
ويعني بعلماء العدل والتوحيد : المعتزلة، وهم يسمون أنفسهم بهذا الاسم كما أنشدنا شيخنا الإمام الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي رحمه الله بقراءتي عليه قال : أنشدنا الصاحب أبو حامد عبد الحميد بن هبة بن محمد بن أبي الحديد المعتزلي ببغداد لنفسه : لولا ثلاث لم أخف صرعتي
ليست كما قال فتى العبد
أن أنصر التوحيد والعدل في
كل مقام باذلاً جهدي
وأن أناجي الله مستمتعا
بخلوة أحلى من الشهد
وأن أتيه الدهر كبراً على
كل لئيم أصعر الخدّ
لذاك أهوى لا فتاة ولا
خمر ولا ذي ميعة نهد
) لا إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( كرر التهليل توكيداً وقيل : الأول شهادة الله، والثاني شهادة الملائكة وأولي العلم، وهذا بعيد جدّاً لأنه يؤدّي إلى قطع الملائكة عن العطف على الله تعالى، وعلى إضمار فعل رافع، أو على جعلهم مبتدأ، وعلى الفصل بين ما يتعلق بهم وبين التهليل بأجنبي، وهو قوله :) قَائِمَاً بِالْقِسْطِ ).
وقيل : الأول جار مجرى الشهادة، والثاني جار مجرى الحكم وقيل : هذا الكلام ينطوي على مقدّمتين، وهذا هو نتيجتهما، فكأنه قال : شهد الله والملائكة وأولو العلم وما