" صفحة رقم ٤٣٤ "
أي دين أنت يا محمد ؟ فقال :( على ملة إبراهيم ). قالا : إن إبراهيم كان يهودياً. فقال ( ﷺ ) ) :( فهلموا إلى التوراة ). فأبيا عليه، فنزلت.
وقالَ الكلبي : زنى رجل منهم بامرأة ولم يكن بعد في ديننا الرجم، فتحاكموا إلى رسول الله ( ﷺ ) ) تخفيفاً للزانيين لشرفهما، فقال ( ﷺ ) ) :( إنما أحكم بكتابكم ). فأنكروا الرجم، فجيء بالتوراة، فوضع حبرهم، ابن صوريا، يده على آية الرجم، فقال عبد الله بن سلام : جاوزها يا رسول الله، فأظهرها فرُجما.
وقال النقاش : نزلت في جماعة من اليهود أنكروا نبوّته، فقال لهم :( هلموا إلى التوراة ففيها صفتي ).
وقال مقاتل : دعا جماعة من اليهود إلى الإسلام، فقالوا : نحن أحق بالهدى منك، وما أرسل الله نبياً إلا من بين إسرائيل، قال :( فأخرجوا التوراة فإني مكتوب فيها أني نبي ) فأبوا، فنزلت ) وَالَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ الْكِتَابِ ( هم : اليهود، والكتاب : التوراة.
وقال مكي وغيره : اللوح المحفوظ، وقيل :) مّنَ الْكِتَابِ ( جنس للكتب المنزلة، قاله ابن عطية، وبدأ به الزمخشري و : من، تبعيض.
وفي قوله : نصيباً، أي : طرفاً، وظاهر بعض الكتاب، وفي ذلك إذ هم لم يحفظوه ولم يعلموا جميع ما فيه.
( يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ ( هو : التوراة، وقال الحسن، وقتادة، وابن جريح : القرآن. و : يدعون، في موضع الحال من الذين، والعامل : تر، والمعنى : ألا تعجب من هؤلاء مدعوين إلى كتاب الله ؟ أي : في حال أن يدعوا إلى كتاب الله ) لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ( أي : ليحكم الكتاب. وقرأ الحسن، وأبو جعفر، وعاصم الجحدري : ليُحكم، مبيناً للمفعول والمحكوم فيه هو ما ذكر في سبب النزول.
( ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مّنْهُمْ ( هذا استبعاد لتوليهم بعد علمهم بأن الرجوع إلى كتاب الله واجب، ونسب التولي إلى فريق منهم لا إلى جميع المبعدين، لأن منهم من أسلم ولم يتول كابن سلام وغيره.
( وَهُم مُّعْرِضُونَ ( جملة حالية مؤكدة لأن التولي هو الإعراض، أو مبينة لكون التولي عن الداعي، والإعراض عما دعا إليه، فيكون المتعلق مختلفاً، أو لكون التولي بالبدن والإعراض بالقلب، أو لكون التولي من علمائهم والإعراض من أتباعهم، قاله ابن الأنباري. أو جملة مستأنفة أخبر عنهم قوم لا يزال الإعراض عن الحق وأتباعه من شأنهم وعادتهم، وفي قوله :) بَيْنَهُمْ ( دليل على أن المتنازع فيه كان بينهم واقعاً لا بينهم وبين رسول الله ( ﷺ ) )، وهو خلاف ما ذكر في أسباب النزول، فإن صح سبب منها كان المعنى : ليحكم بينهم وبين رسول الله ( ﷺ ) )، وإن لم يصح حمل على الاختلاف الواقع بين من أسلم من أحبارهم وبين من لم يسلم، فدعوا إلى التوراة التي لا اختلاف في صحتها عندكم، ليحكم بين المحق والمبطل، فتولى من لم يسلم.
قيل وفي هذه الآية دليل على صحة نبوة رسول الله ( ﷺ ) )، لأنهم ولولا علمهم بما ادّعاه في كتبهم من نعته وصحة نبوته، لما أعرضوا وتسارعوا إلى موافقة ما في كتبهم، حتى ينبئوا عن بطلان دعواه. وفيا دليل على أن من دعاه خصمه إلى الحكم الحق لزمته إجابته لأنه دعاه إلى كتاب الله، ويعضده :) وَإِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ ).
قال القرطبي : وإذا دعي إلى كتاب الله وخالف تعين زجره بالأدب على قدر المخالِف، والمخالَف. وهذا الحكم جارٍ عندنا بالأندلس وبلاد المغرب، وليس بالديار المصرية.
قال ابن خويزمنداد المالكي : واجب على من دعي إلى مجلس الحكم أن يجيب ما لم يعلم أن الحاكم فاسق.
آل عمران :( ٢٤ ) ذلك بأنهم قالوا.....
( ذالِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَّعْدُوداتٍ ( الإشارة بذلك إلى التولي، أي : ذلك التولي بسبب هذه الأقوال الباطلة، وتسهيلهم على أنفسهم العذاب، وطمعهم في الخروج من النار بعد أيام قلائل.
وقال الزمخشري : كما طمعت الجبرية والحشوية.
( وَغَرَّهُمْ فِى


الصفحة التالية
Icon