" صفحة رقم ٤٣٩ "
الحيوان من النطفة وهي ميتة إذا انفصلت النطفة من الحيوان، وتخرج النطفة وهي ميتة من الرجل وهو حي، فعلى هذا يكون الموت مجازاً إذ النطفة لم يسبق لها حياة، ويكون المعنى : وتخرج الحي من ما لا تحله الحياة وتخرج ما لا تحله الحياة من الحي، والإخراج عبارة عن تغير الحال.
وقال عكرمة، والكلبي : أي الفرخ من البيضة، والبيضة من الطير، والموت أيضاً هنا مجاز والإخراج حقيقة.
وقال أبو مالك : النخلة من النواة، والسنبلة من الحبة، والنواة من النخلة، والحبة من السنبلة، والموت والحياة في هذا مجاز.
وقال الحسن، وروى نحوه عن سامان الفارسي : تخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، وهما أيضاً مجاز. وفي الحديث : أن رسول الله ( ﷺ ) ) قال :( سبحان الله الذي يخرج الحيّ من الميت ). وقد رأى امرأة صالحة مات أبوها كافراً وهي خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث.
وقال الزجاج : يخرج النبات الغض الطري من الحب، ويخرج الحب اليابس من النبات الحيّ.
وقيل : الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب وقال الماوردي : ويحتمل يخرج الجلد الفطن من البليد العاجز، والعكس، لأن الفطنة حياة الحس والبلادة موته. وقيل : يخرج الحكمة من قلب الفاجر لأنها لا تستقر فيه، والسقطة من لسان العارف وهذه كلها مجازات بعيدة.
والأظهر في قوله ) الْحَىَّ مِنَ الْمَيّتِ ( تصور اثنين وقيل : عنى بذلك شيئاً واحداً يتغير به الحال، فيكون ميتاً ثم يحيا، وحياً ثم يموت. نحو قولك : جاء من فلان أسد وقال ابن عطية : ذهب جمهور من العلماء إلى أن الحياة والموت هنا حقيقتان لا استعارة فيهما، ثم اختلفوا في المثل الذي فسروا به، وذكر قول ابن مسعود وقول عكرمة المتقدمين، ولا يمكن الحمل إذ ذاك على الحقيقة أصلاً، وكذلك في الموت، وشدّد حفص، ونافع، وحمزة، والكسائي : الميِّت، في هذه الآية. وفي الأنعام، والأعراف، ويونس، والروم، وفاطر زاد نافع تشديد الياء في :) أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ( وفي الأنعام و ) الاْرْضُ الْمَيْتَةُ ( في يس و ) لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ( في الحجرات. وقرأ الباقون بتخفيف ذلك، ولا فرق بين التشديد والتخفيف في الاستعمال، كما تقول : لين وليّن وهين وهيّن. ومن زعم أن المخفف لما قد مات، والمشدّد لما قد مات ولما لم يمت فيحتاج إلى دليل.
( وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ( تقدّم تفسير نظيره في قوله ) وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ( فأغنى ذلك عن اعادته هنا وقال الزمخشري : ذكر قدرته الباهرة، فذكر حال الليل والنهار في المعاقبة بينهما، وحال الحي والميت في إخراج أحدهما من الآخر، وعطف عليه رزقه بغير حساب دلالة على أن من قدر على تلك الأفعال العظيمة المحيرة للأفهام، ثم قدر أن يرزق بغير حساب من يشاء من عباده، فهو قادر على أن ينزع الملك من العجم ويذلهم، ويؤتيه العرب ويعزهم. انتهى. وهو حسن.
قيل : وتضمنت هذه الآيات أنواعاً من : الفصاحة، والبلاغة، والبديع.
الاستفهام الذي معناه التعجب في ) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ ). والإشارة في ) نَصِيباً مّنَ الْكِتَابِ ( فإدخال : من، يدل على أنهم لم يحيطوا بالتوراة علماً ولا حفظاً، وذلك إشارة إلى الإزراء بهم