" صفحة رقم ٤٤١ "
يظهر نهوا عن ذلك، وأما أن يتخذ ذلك بقلبه ونيته فلا يفعل ذلك مؤمن، والمنهيون هنا قد قرر لهم الإيمان، فالنهي هنا إنما معناه النهي عن اللطف بهم والميل إليهم، واللطف عام في جميع الأعصار، وقد تكرر هذا في القرآن. ويكفيك من ذلك قوله تعالى :) لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ( الآية، والمحبة في الله والبغض في الله أصل عظيم من أصول الدين.
وقرأ الجمهور : لا يتخذ، على النهي وقرأ الضبي برفع الذال على النفي، والمراد به النهي، وقد أجاز الكسائي فيه الرفع كقراءة الضبي.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر ما يجب أن يكون المؤمن عليه من تعظيم الله تعالى والثناء عليه بالأفعال التي يختص بها، ذكر ما يجب على المؤمن من معاملة الخلق، وكان الآيات السابقة في الكفار فنهوا عن موالاتهم وأمروا بالرغبة فيما عنده وعند أوليائه دون أعدائه إذ هو تعالى مالك الملك.
وظاهر الآية تقتضي النهي عن موالاتهم إلاَّ ما فسح لنا فيه من اتخاذهم عبيداً، والاستعانة بهم استعانه العزيز بالذليل، والأرفع بالأوضع، والنكاح فيهم. فهذا كله ضرب من الموالاة أذن لنا فيه، ولسنا ممنوعين منه، فالنهي ليس على عمومه.
( مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ( تقدم تفسير : من دون، في قوله ) وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللَّهِ ( فأغنى عن إعادته.
و : يتخذ، هنا متعدية إلى اثنين، و : من دون، متعلقة بقوله : لا يتخذ، و : من، لابتداء الغاية قال علي بن عيسى : أي لا تجعلوا ابتداء الولاية من مكان دون مكان المؤمنين.
( وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَىْء ( ذلك إشارة إلى اتخاذهم أولياء، وهذا يدل على المبالغة في ترك الموالاة، إذ نفي عن متوليهم أن يكون في شيء من الله، وفي الكلام مضاف محذوف أي : فليس من ولاية الله في شيء وقيل : من دينه وقيل : من عبادته وقيل : من حزبه. وخبر : ليس، هو ما استقلت به الفائدة، وهي : في شيء، و : من الله، في موضع نصب على الحال، لأنه لو تأخر لكان صفة لشيء، والتقدير : فليس في شيء من ولاية الله. و : من، تبعيضية نفي ولاية الله عن من اتخذ عدوه ولياً، لأن الولايتين متنافيتان، قال : تود عدوي ثم تزعم أنني
صديقك، ليس النَّوْكُ عنك بعازب
وتشبيه من شبه الآية ببيت النابغة : إذا حاولت في أسد فجورا
فإني لست منك ولست مني
ليس بجيد، لأن : منك ومني، خبر ليس، وتستقل به الفائدة. وفي الآية الخبر قوله : في شيء، فليس البيت كالآية.
قال ابن عطية ) فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَىْء ( معناه في شيء مرضي على الكمال والصواب، وهذا كما قال النبي ( ﷺ ) ) :( من غشنا فليس منا ). وفي الكلام حذف مضاف تقديره : فليس من التقرب إلى الله والتزلف. ونحو هذا مقوله : في شيء، هو في موضع نصب على الحال من الضمير الذي في قوله :) لَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَىْء ). انتهى كلامه. وهو كلام مضطرب، لأن تقديره : فليس من التقرب إلى الله، يقتضي أن لا يكون من الله خبراً لليس، إذ لا يستقل. فقوله : في شيء، هو في موضع نصب على الحال يقتضي أن لا يكون خبراً، فيبقى : ليس، على قوله لا يكون لها خبر، وذلك لا يجوز. وتشبيهه بقوله عليه السلام :( من غشنا فليس منا ) ليس بجيد لما بيناه من الفرق في بيت النابغة بينه وبين الآية.
( إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ( هذا استثناء مفرع من المفعول له، والمعنى لا يتخذوا كافراً ولياً لشيء من الأشياء إلاَّ لسبب التقية، فيجوز إظهار الموالاة باللفظ والفعل دون


الصفحة التالية
Icon