" صفحة رقم ٤٤٥ "
وينتصب : محضراً على أنه مفعول ثان لها، وما، في : ما عملت، موصولة، والعائد عليها من الصلة محذوف، ويجوز أن تكون مصدرية أي : عملها، ويراد به إذ ذاك اسم المفعول، أي : معمولها، فقوله : ما عملت، هو على حذف مضاف أي : جزاء ما عملت وثوابه.
قيل : ومعنى : محضراً على هذا موفراً غير مبخوس. وقيل : ترى ما عملت مكتوباً في الصحف محضراً إليها تبشيراً لها، ليكون الثواب بعد مشاهدة العمل.
وقرأ الجمهور : محضراً، بفتح الضاد، اسم مفعول. وقرأ عبيد بن عمير : محضرا بكسر الضاد، أي محضراً الجنة أو محضراً مسرعاً به إلى الجنة من قولهم : أحضر الفرس، إذا جرى وأسرع.
وما عملت من سوء، يجوز أن تكون في موضع نصب، معطوفاً على : ما عملت من خير، فيكون المفعول الثاني إن كان : تجد، متعدّية إليهما، أو الحال إن كان يتعدّى إلى واحد محذوفاً، أي : وما عملت من سوء محضراً. وذلك نحو : ظننت زيداً قائماً وعمراً، إذا أردت : وعمراً قائماً، وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون : تودّ، مستأنفاً. ويجوز أن يكون : توّد، في موضع الحال أي : وادة تباعد ما بينها وبين ما عملت من سوء، فيكون الضمير في بينه عائداً على ما عملت من سوء، وأبعد الزمخشري في عوده على اليوم، لأن أحد القسمين اللذين أحضر له في ذلك اليوم هو : الخير الذي عمله، ولا يطلب تباعد وقت إحضار الخير إلاَّ بتجوّز إذا كان يشتمل على إحضار الخير والشر، فتودّ تباعدة لتسلم من الشر، ودعه لا يحصل له الخير. والأولى : عوده على : ما عملت من السوء، لأنه أقرب مذكور، لأن المعنى : أن السوء يتمنى في ذلك اليوم التباعد منه، وإلى عطف : ما عملت من سوء، على : ما عملت من خير، وكون، تودّ، في موضع الحال ذهب إليه الطبري، ويجوز أن يكون : وما عملت من سوء، موصولة في موضع رفع بالابتداء و : تودّ، جملة في موضع الخبر : لما، التقدير : والذي عملته من سبوء تودّ هي لو تباعد ما بينها وبينه، وبهذا الوجه بدأ الزمخشري وثنى به ابن عطية، واتفقا على أنه لا يجوز أن يكون : وما عملت من سوء، شرطاً. قال الزمخشري : لارتفاع : تودّ. وقال ابن عطية : لأن الفعل مستقبل مرفوع يقتضى جزمه، اللهم إلاَّ أن يقدر في الكلام محذوف، أي : فهي تودّ، وفي ذلك ضعف. إنتهى كلامه. وظهر من كلاميهما امتناع الشرط لأجل رفع : تودّ، وهذه المسألة كان سألني عنها قاضي القضاة أبون العباس أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي، رحمه الله، واستشسكل قول الزمخشري. وقال : ينبغي أن يجوز غاية ما في هذا أن يكون مثل قول زهير : وإن أتاه خليل يوم مسألة
يقول : لا غائب مالي ولا حرم
وكتبت جواب ما سألني عنه في كتابي الكبير المسمى :( بالتذكرة )، ونذكر هنا ما تمس إليه الحاجة من ذلك، بعد أن نقدّم ما ينبغي تقديمه في هذه المسألة، فنقول : إذا كان فعل الشرط ماضياً، وما بعده مضارع تتم به جملة الشرط والجزاء، جاز في ذلك المضارع الجزم، وجاز فيه الرفع، مثال ذلك : إن قام زيد يقوم عمرو، وان قام زيد يقم عمرو. فاما الجزم فعلى أنه جواب الشرط، ولا تعلم في جواز ذلك خلافاً، وأنه فصيح، إلاَّ ما ذكره صاحب كتاب ( الإعراب ) عن بعض النحويين أنه : لا يجيء في الكلام الفصيح، وإنما يجيء مع : كان، لقوله تعالى ) مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا ( لأنها أصل الأفعال، ولا يجوز ذلك مع غيرها.
وظاهر كلام سيبويه، ونص الجماعة، أنه لا يختص ذلك بكان، بل سائر الأفعال في ذلك مثل كان، وأنشد سيبويه للفرزدق :


الصفحة التالية
Icon