" صفحة رقم ٤٦٢ "
عيسى. وهذان القولان شبيهان بأقوال المعتزلة حيث ينفون وجود الخارق على غير النبي، إلا إن كان ذلك في زمان نبي، فيكون ذلك معجزة لذلك النبي.
والظاهر أنها كرامة خص الله بها مريم، ولو كان خارقاً لأجل زكريا لم يسأل عنه زكريا، وأما كون ذلك لأجل نبوة عيسى، فهو كان لم يخلق بعد.
قال الزجاج : وهذا الخارق من الآية التي قال تعالى :) وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا ءايَةً لّلْعَالَمِينَ ( وقال الجبائي : يجوز أن يكون من معجزات زكريا، دعا لها على الإجمال. لأن يوصل لها رزقها، وربما غفل عن تفاصيل ذلك، فلما رأى شيئاً معيناً في وقت معين، سأل عنه، فعلم أنه معجزة، فدعا به أو سأل عن ذلك خشية أن يكون الآتي به إنساناً، فأخبرته أنه ) مِنْ عِندِ اللَّهِ ( ويحتمل أن يكون على أيدي المؤمنين، وسأل لئلا يكون على وجه لا ينبغي.
( إنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ( تقدّم تفسير هذه الجملة، والظاهر أنها من كلام مريم وقال الطبري : ليس من كلام مريم، وأنه خبر من الله تعالى لمحمد ( ﷺ ) )..
وروى جابر حديثاً مطولاً فيه تكثير الخبز واللحم على سبيل خرق العادة لفاطمة بنت رسول الله ( ﷺ ) )، فسألها : من أين لك هذا ؟ فقالت : هو من عند الله. فحمد الله، وقال : الحمد لله الذي جعلك شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل.
قيل : وفي هذه الآيات أنواع من الفصاحة. العموم الذي يراد به الخصوص في قوله : على العالمين، والإختصاص في قوله : آدم، ونوحاً، وآل إبراهيم، وآل عمران. وإطلاق اسم الفرع على الأصل والمسبب على السبب، في قوله : ذرية، فيمن قال المراد الآدباء، والإبهام في قوله : ما في بطني، لما تعذر عليها الإطلاع على ما في بطنها أتت بلفظ : ما، الذي يصدق على الذكر والأنثى، والتأكيد في قوله :) إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( والخبر الذي يراد به الاعتذار في قولها : وضعتها أنثى، والاعتراض في قوله : والله أعلم بما وضعت، في قراءة من سكن التاء أو كسرها وتلوين الخطاب ومعدوله في قوله : والله أعلم بما وضعت، في قراءة من كسر التاء، خرج من خطاب الغيبة في قولها : فلما وضعتها، إلى خطاب المواجهة في قوله : بما وضعت والتكرار في : وأنى، وفي : زكريا، وزكريا، وفي : من عند الله، إن الله والتجنيس المغاير في : فتقبلها ربها بقبول، وأنبتها نباتاً، وفي : رزقاً ويرزق والإشارة، وهو أن يعبر باللفظ الظاهر عن المعنى الخفي، في قوله : هو من عند الله، أي هو رزق لا يقدر على الإتيان به في ذلك الوقت إلاَّ الله. وفي قوله : رزقاً، أتى به منكّراً مشيراً إلى أنه ليس من جنس واحد، بل من أجناس كثيرة، لأن النكرة تقتضي الشيوع والكثرة. والحذف في عدة مواضع لا يصح المعنى إلا باعتبارها.
آل عمران :( ٣٨ ) هنالك دعا زكريا.....
( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ( أصل : هنالك، أن يكون إشارة للمكان، وقد يستعمل للزمان وقيل بهما في هذه الآية، أي في ذلك المكان دعا زكريا، أو : في ذلك الوقت لما رأى هذا الخارق