" صفحة رقم ٤٨٧ "
فإذا هم خنازير. ففشا ذلك في بني إسرائيل، فهموا به، فهربت به أمّه إلى أرض مصر. فلما بلغ اثنتي عشرة سنة أوحى الله إليها : أن انطلقي إلى الشام، ففعلت حتى إذا بلغ ثلاثين سنة جاءه الوحي على رأس الثلاثين، فكانت نبوّته ثلاث سنين، ثم رفعه الله إليه. وكأن أول أنبياء بني إسرائيل : يوسف، وقيل : موسى، وآخرهم عيسى.
والظاهر أن قوله :) أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ ( إلى قوله ) مُّسْتَقِيمٍ ( متعلق بقوله ) وَرَسُولاً إِلَى بَنِى إِسْراءيلَ ( ومعمول له، فيكون ذلك مندرجاً تحت القول السابق. والخطاب لمريم بقوله : قال كذلك الله، فتكون مريم قد بشرت بأشياء مما يفعلها الله لولدها عيسى : من تعليمه ما ذكر، ومن جعله رسولاً ناطقاً بما يكون منه إذا أرسل : من مجيئه بالآيات، وإظهار الخوارق على يديه، وغير ذلك مما ذكر إلى قوله : مستقيم. ويكون بعد قوله : مستقيم.
وقيل : قوله : فلما أحس، محذوف يدل عليه وتضطرء إلى تقديره، المعنى، تقديره : فجاء عيسى بني إسرائيل ورسولاً، فقال لهم ما تقدّم ذكره، وأتى بالخوارق التي قالها، فكفروا به وتمالؤوا على قتله وإذايته، فلما أحس عيسى منهم الكفر.
وقيل : يحتمل أن يكون الكلام تم عند قوله ) وَرَسُولاً إِلَى بَنِى إِسْراءيلَ ( ولا يكون ) أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ ( متعلقاً بما قبله، ولا داخلاً تحت القول والخطاب لمريم، ويكون المحذوف هنا : لا بعد قوله : مستقيم، والتقدير : فجاء عيسى كما بشر الله رسولاً إلى بني اسرائيل بأني قد جئتكم بآية من ربكم.
وقرأ الجمهور : بأنه، على الإفراد، وكذلك في ) وَجِئْتُكُمْ بِأَيَةٍ مّن رَّبّكُمْ ( وفي مصحف عبد الله : بآيات، على الجمع في الموضعين. ويجوز أن يكون : من ربكم، في موضع الصفة، لأنه يتعلق بمحذوف، ويجوز أن يتعلق : بجئتكم، أي : جئتكم من ربكم بآية.
( أَنِى أَخْلُقُ لَكُمْ مّنَ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ( قرأ الجمهور : أني أخلق، بفتح الهمزة على أن يكون بدلاً من : آية، فيكون في موضع جر، أو بدلاً من قوله : أني قد جئتكم، فيكون في موضع نصب أو جر على الخلاف، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي : هي، أي : الآية أني أخلق، فيكون في موضع رفع. وقرأ نافع بالكسر على الاستئناف، أو على إضمار القول، أو على التفسير للآية. كما فسر المثل في قوله :) كَمَثَلِ ءادَمَ ( بقوله :) خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ( ومعنى : أخلق : أقدّر وأهيء، والخلق يكون بمعنى الإنشاء وإبراز العين من العدم الصرف إلى الوجود. وهذا لا يكون إلاَّ لله تعالى. ويكون بمعنى : التقدير والتصوير، ولذلك يسمون صانع الأديم ونحوه : الخالق، لأنه يقدّر، وأصله في الإجرام، وقد نقلوه إلى المعاني قال تعالى ) وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً ( ومما جاء الخلق فيه بمعنى التقدير قوله تعالى :) فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ( أي المقدّرين. وقال الشاعر : ولأنت تَتِفري ما خَلَقْت
وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
واللام في : لكم، معناها التعليل، و : من الطين، تقييد بأنه لا يوجد من العدم الصرف، بل ذكر المادة التي يشكل منها صورة.
وقرأ الجمهور : كهيئة، على وزن : جيئة، وقرأ الزهري : كهية، بكسر الهاء وياء مشددة مفتوحة بعدها تاء التأنيث، و : الكاف، من : كهيئة، اسم على مذهب أبي الحسن، فهي مفعولة : بأخلق، وعلى قول الجمهور : يكون، صفة لمفعول محذوف تقديره : هيئة مثل هيئة، ويكون : هيئة، مصدراً في معنى المفعول، أي : مثالاً مهيأً مثل.
وقرأ الجمهور : الطير، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع : كهيئة الطائر، والمراد به الجنس : فأنفخ فيه الضمير في : فيه، يعود على : الكاف، أو على


الصفحة التالية
Icon