" صفحة رقم ٤٩٥ "
الصيادون، قال لهم عيسى على نبينا وعليه السلام : ألا تمشون معي تصطادون الناس لله ؟ فأجابوا. قال مصعب : كانوا اثني عشر رجلاً يسيحون معه، يخرج لهم ما احتاجوا إليه من الأرض، فقالوا : من أفضل منا ؟ نأكل من أين شئنا. فقال عيسى : من يعمل بيده ؟ ويأكل من كسبه ؟ فصاروا قصَّارين وحكى ابن الأنباري : الحواريون : الملوك وقال الضحاك، وأبو أرطاة : الغسالون وقال ابن المبارك : الحوار النور، ونسبوا إليه لما كان في وجوههم من سيما العبادة ونورها وقال تاج القراء : الحواري : الصديق.
قيل : لما أراهم الآيات وضع لهم ألواناً شتى من حب واحد آمنوا به واتبعوه وقرأ الجمهور : الحواريون، بتشديد الياء. وقرأ إبراهيم النخعي، وأبو بكر الثقفي، بتخفيف الياء في جميع القرآن، والعرب تستثقل ضمة الياء المكسور ما قبلها في مثل : القاضيون، فتنقل الضمة إلى ما قبلها وتحذف الياء لالتقائها ساكنة مع الساكن بعدها، فكان القياس على هذا أن يقال : الحوارون، لكن أقرت الضمة ولم تنقل دلالة على أن التشديد مراد، إذ التشديد يحتمل الضمة كما ذهب إليه الأخفش في : يستهزئون، إذ أبدل الهمزة ياءً، وحملت الضمة تذكراً لحال الهمزة المراد فيها.
( نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ( أي : أنصار دينه وشرعه. والداعي إليه.
( بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ رَبَّنَا ( لما ذكروا أنهم أنصار الله ذكروا مستند لإيمانهم، لأن انقياد الجوارح تابعة لانقياد القلب وتصديقه، والرسل تشهد يوم القيامة لقومهم، وعليهم. ودل ذلك على أن عيسى عليه السلام كان على دين الإسلام، برأه الله من سائر الأديان كما برأ إبراهيم بقوله :) مَا كَانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيّا وَلاَ نَصْرَانِيّا ( الآية، ويحتمل أن يكون : واشهد، خطاباً لله تعالى أي : واشهد يا ربنا، وفي هذا توبيخ لنصارى نجران، إذ حكى الله مقالة أسلافهم المؤمنين لعيسى، فليس كمقالهم فيه، ودعوى الإلهية له.
آل عمران :( ٥٣ ) ربنا آمنا بما.....
( رَبَّنَا ءامَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ ( أي : من الآيات الدالة على صدق أنبيائك، أو : بما أنزلت من كلامك على الرسل أو بالإنجيل.
( وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ ( هو : عيسى على قول الجمهور.
( فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ( هم : محمد ( ﷺ ) ) وأمّته، لأنهم يشهدون للرسل بالتبليغ، ومحمد ( ﷺ ) ) يشهد لهم بالصدق. روى ذلك عكرمة عن ابن عباس، أو : من آمن قبلهم، رواه أبو صالح عن ابن عباس. أو : الأنبياء لأن كل نبي شاهد على أمّته. أو : الصادقون، قاله مقاتل. أو : الشاهدون للأنبياء بالتصديق، قاله الزجاج. أو : الشاهدون لنصرة رسلك، أو : الشاهدون بالحق عندك، رغبوا في أن يكونوا عنده في عداد الشاهدين بالحق من مؤمني الأمم، وعبروا عن فعل الله ذلك بهم بلفظ : فاكتبنا، إذ كانت الكتابة تقيد وتضبط ما يحتاج إلى تحقيقه وعلمه في ثاني حال.
آل عمران :( ٥٤ ) ومكروا ومكر الله.....
( وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ ( الضمير في : مكروا، عائد على من عاد عليه الضمير في :) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ( وهم : بنو إسرائيل، ومكرهم هو احتيالهم في قتل عيسى بأن وكلوا به من يقتله غيلة، وسيأتي ذكر كيفية حصره وحصر أصحابه في مكان، ورومهم قتله وإلقاء الشبه على رجل، وقتل ذلك الرجل وصلبه في مكانه، إن شاء الله.
( وَمَكَرَ اللَّهُ ( مجازاتهم على مكرهم سمى ذلك مكراً، لأن المجازاة لهم ناشئة عن المكر، كقوله :) وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا ( وقوله ) فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ ( وكثيراً ما تسمى العقوبة باسم الذنب، وإن لم تكن في معناه.
وقيل : مكر الله بهم هو ردّهم عما أرادوا برفع عيسى إلى السماء، وإلقاء شبهه على من أراد اغتياله حتى


الصفحة التالية
Icon