" صفحة رقم ٥٢٠ "
يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلاَّ لمن تبع دينكم، وجاء بمثله، وعاضداً له، فإن ذلك لا يؤتاه غيركم. ويكون معنى :) أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ ( بمعنى : إلاَّ أن يحاجوكم، كما تقول : أنا لا أتركك أو تقضيني حقي، وهذا القول على هذا المعنى ثمرة التكذيب لمحمد ( ﷺ ) )، على اعتقاد أن النبوّة لا تكون إلاَّ في بني إسرائيل.
الرابع : أن يكون المعنى : لا تؤمنوا بمحمد وتقروا بنبوّته إذ قد علمتم صحتها إلاَّ لليهود الذين هم منكم، و ) أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ ( صفة لحال محمد ( ﷺ ) )، فالمعنى : تستروا بإقراركم أن قد أوتي أحد مثل أوتيتم، أو فإنهم يعنون العرب، يحاجونكم بالإقراب عند ربكم. وقال الزمخشري في هذا الوجه، وبدأ به ما نصه : ولا تؤمنوا، متعلق بقوله : أن يؤتى أحد، و : ما بينهما اعتراض، أي : ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلاَّ لأهل دينكم دون غيرهم، أرادوا : أسِرُّوا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا مثل ما أوتيتم ولا تفشوه إلا لأشياعكم وحدهم دون المسلمين، لئلا يزتدهم ثباتاً ودون المشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام :) أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ ( عطف على ) أَن يُؤْتَى ( والضمير في : يحاجوكم، لأحدَ لأنه في معنى الجميع بمعنى : ولا تؤمنوا لغير أتباعكم أن المسلمين يحاجونكم يوم القيامة بالحق، ويغالبونكم عند الله بالحجة. انتهى كلامه.
وأما : أحد، على هذه الأقوال فإن كان الذي للعموم، وكان ما قبله مقدراً بالنفي، كقول بعضهم إن المعنى : لا يؤتى، أو : إن المعنى : أن لا يؤتى أحد، فهو جار على المألوف في لسان العرب من أنه لا يأتي إلاَّ في النفي أو ما أشبه النفي : كالنهي، وإن كان الفعل مثبتاً يدخل هنا لأنه تقدم النفي في أول الكلام، كما دخلت من في قوله :) أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مّنْ خَيْرٍ ( للنفي قبله في قوله :) مَّا يَوَدُّ ).
ومعنى الاعتراض على هذه الأوجه أنه أخبر تعالى بأن ما راموا من الكيد والخداع بقولهم :) بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى ( الآية، لا يجدي شيئاً، ولا يصدّ عن الإيمان من أراد الله إيمانه، لأن الهدى هو هدى الله، فليس لأحد أن يحصله لأحد، ولا أن ينفيه عن أحد.
وقرأ ابن كثير : أن يؤتى أحد ؟ بالمدّ على الاستفهام، وخرجه أبو عليّ على أنه من قول الطائفة، ولا يمكن أن يحمل على ما قبله من الفعل، لأن الإستفهام قاطع، فيكون في موضع رفع على الإبتداء وخبره محذوف تقديره تصدّقون به، أو تعترفون، أو تذكرونه لغيركم، ونحوه مما يدل عليه الكلام. و : يحاجوكم، معطوف على : أن يؤتى.
قال أبو علي : ويجوز أن يكون موضع : أن، نصباً، فيكون المعنى : أتشيعون، أو : أتذكرون أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ؟ ويكون بمعنى : أتحدّثونهم بما فتح الله عليكم ؟ فعلى كلا الوجهين معنى الآية توبيخ من الأحبار للاتباع على تصديقهم بأن محمداً نبي مبعوث، ويكون : أو يحاجوكم، في تأويل نصب أن بمعنى : أو تريدون أن يحاجوكم ؟.
قال أبو عليّ وأحد، على قراءة ابن كثير هو الذي لا يدل على الكثرة، وقد منع الإستفهام القاطع من أن يشيع لامتناع دخوله في النفي الذي في أول الكلام، فلم يبق إلاَّ أنه : أحد، الذي في قولك : أحد وعشرون، وهو يقع في الإيجاب، لأنه في معنى : واحد، وجمع ضميره في قوله : أو يحاجوكم، حملاً على المعنى، إذ : لأحد، المراد بمثل النبوّة أتباع فهو في المعنى للكثرة قال أبو عليّ : وهذا موضع ينبغى أن ترجح فيه قراءة غير ابن كثير على قراءة ابن كثير، لأن الأسماء المفردة ليس بالمستمر أن يدل على الكثرة. انتهى تخريج أبي علي لقراءة ابن كثير، وقد تقدم تخريج قراءته على أن يكون قوله : أن يؤتيى، مفعولاً من أجله، على أن يكون داخلاً تحت القول من قول الطائفة، وهو أظهر من جعله من قول الطائفة.
وقد اختلف السلف في هذه الآية، فذهب السدّي وغيره إلى أن الكلام كله من قوله :) قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ ( إلى آخر الآية مما أمر الله به محمداً ( ﷺ ) ) أن يقوله لأمّته.
وذهب قتادة، والربيع : إلى أن هذا كله من قول الله، أمره أن يقوله للطائفة التي قالت :) وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ ( وذهب مجاهد وغيره إلى أن قوله ) أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ ( كله من قول الطائفة لأتباعهم، وقوله ) قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ ( اعتراض بين ما قبله وما بعده من


الصفحة التالية
Icon