" صفحة رقم ١٦٧ "
معنى الكلام. وغض من فصاحته، وإنما الفصاحة في أن تكون في ذكر الأرحام فائدة مستقلة. والوجه الثاني : أن في ذكرها على ذلك تقدير التساؤل بها والقسم بحرمتها، والحديث الصحيح يرد ذلك في قوله ( ﷺ ) ) :( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ) انتهى كلامه. وذهبت طائفة إلى أنَّ الواو في والأرحام واو القسم لا واو العطف، والمتلقى به القسم هي الجملة بعده. ولله تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته على ما جاء في غير ما آية في كتاب الله تعالى، وذهبوا إلى تخريج ذلك فراراً من العطف على الضمير المجرور بغير إعادة الجار، وذهاباً إلى أن في القسم بها تنبيهاً على صلتها وتعظيماً لشأنها، وأنها من الله تعالى بمكان. قال ابن عطية : وهذا قول يأباه نظم الكلام وسره انتهى. وما ذهب إليه أهل البصرة وتبعهم فيه الزمخشري وابن عطية : من امتناع العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار، ومن اعتلالهم لذلك غير صحيح، بل الصحيح مذهب الكوفيين في ذلك وأنه يجوز. وقد أطلنا الاحتجاج في ذلك عند قوله تعالى :) وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ). وذكرنا ثبوت ذلك في لسان العرب نثرنا ونظمها، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وأما قول ابن عطية : ويرد عندي هذه القراءة من المعنى وجهان، فجسارة قبيحة منه لا تليق بحاله ولا بطهارة لسانه. إذ عمد إلى قراءة متواترة عن رسول الله ( ﷺ ) ) قرأ بها سلف الأمة، واتصلت بأكابر قراء الصحابة الذين تلقوا القرآن من في رسول الله ( ﷺ ) ) بغير واسطة عثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت. وأقرأ الصحابة أُبيّ بن كعب عمدَ إلى ردّها بشيء خطر له في ذهنه، وجسارته هذه لا تليق إلا بالمعتزلة كالزمخشري، فإنه كثيراً ما يطعن في نقل القراء وقراءتهم، وحمزة رضي الله عنه : أخذ القرآن عن سليمان بن مهران الأعمش، وحمدان بن أعين، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وجعفر بن محمد الصادق، ولم يقرأ حمزة حرفاً من كتاب الله إلا بأثر. وكان حمزة صالحاً ورعاً ثقةً في الحديث، وهو من الطبقة الثالثة، ولد سنة ثمانين وأحكم القراءة وله خمس عشرة سنة، وأم الناس سنة مائة، وعرض عليه القرآن من نظرائه جماعة منهم : سفيان الثوري، والحسن بن صالح. ومن تلاميذه جماعة منهم إمام الكوفة في القراءة والعربية أبو الحسن الثوري، والحسن بن صالح. ومن تلاميذه جماعة منهم إمام الكوفة في القراءة والعربية أبو الحسن الكسائي. وقال الثوري وأبو حنيفة ويحيى بن آدم : غلب حمزة الناس على القرآن والفرائض. وإنما ذكرت هذا وأطلت فيه لئلا يطلع عمر على كلام الزمخشري وابن عطية في هذه القراءة فيسيء ظناً بها وبقارئها، فيقارب أن يقع في الكفر بالطعن في ذلك. ولسنا متعبدين بقول نحاة البصرة ولا غيرهم ممن خالفهم، فكم حكم ثبت بنقل الكوفيين من كلام العرب لم ينقله البصريون، وكم حكم ثبت بنقل البصريين لم ينقله الكوفيون، وإنما يعرف ذلك من له استبحار في علم العربية، لا صحاب الكنانيس المشتغلون بضروب من العلوم الآخذون عن الصحف دون الشيوخ.
( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ( لا يراد بكان تقييد الخبر بالمخبر عنه في الزمان الماضي المنقطع في حق الله تعالى، وإن كان موضوع كان ذلك، بل المعنى على الديمومة فهو تعالى رقيب في الماضي وغيره علينا، والرقيب تقدم شرحه في المفردات. وقال بعضهم : هنا هو العليم، والمعنى : أنه مراع لكم لايخفى عليه ن أمركم شيء فاتقوه
النساء :( ٢ ) وآتوا اليتامى أموالهم.....
( وَءاتُواْ الْيَتَامَى أَمْوالَهُمْ ( قال مقاتل والكلبي : نزلت في رجل من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ طلب المال فمنعه. ومناسبتها لما قبلها أنه لما وصل الأرحام أتبع بالأيتام، لأنهم صاروا بحيث لا كافل لهم، ففارق حالهم حال مَن له رحم ماسه. وظاهره الأمر بإعطاء اليتامى أموالهم.
واليتم في بني آدم : فقد الأب، وهو جمع يشمل الذكور والإناث. وينقطع هذا الاسم شرعاً بالبلوغ، فلا بد من مجاز، ما في اليتامى لإطلاقه على البالغين اعتباراً وتسمية بما


الصفحة التالية
Icon