" صفحة رقم ١٧١ "
طيب بالياء، وهو دليل الإمالة. وظاهر فانكحوا الوجوب، وبه قال أهل الظاهر مستدلين بهذا الأمر وبغيره. وقال غيرهم : هو ندب لقوم، وإباحة الآخرين بحسب قرائن المرء، والنكاح في الجملة مندوب إليه. ومعنى ما طاب : أي ما حل، لأن المحرمات من النساء كثير قاله : الحسن وابن جبير وأبو مالك. وقيل : ما استطابته النفس ومال إليه القلب. قالوا : ولا يتناول قوله فانكحوا الجيد.
ولما كان قوله : ما طاب لكم من النساء عامًّا في الأعداد كلها، خص ذلك بقوله : مثنى وثلاث ورباع. فظاهر هذا التخصيص تقسيم المنكوحات إلى أنَّ لنا أن أن نتزوج اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، ولا يجوز لنا أن نتزوج خمسة خمسة، ولا ما بعد ذلك من الأعداد. وذلك كما تقول : أقسم الدراهم بين الزيدين درهمين درهمين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، فمعنى ذلك أن تقع القسمة على هذا التفصيل دون غيره. فلا يجوز لنا أن نعطى أحداً من المقسوم عليهم خمسة خمسة، ولا يسوغ دخول أو هنا مكان الواو، لأنه كان يصير المعنى أنهم لا ينكحون كلهم إلا على أحد أنواع العدد المذكور، وليس لهم أن يجعلوا بعضه على تثنية وبعضه على تثليث وبعضه على تربيع، لأن أو لأحد الشيئين أو الأشياء. والواو تدل على مطلق الجمع، فيأخذ الناكحون من أرادوا نكاحها على طريق الجمع إن شاؤا مختلفين في تلك الأعداد، وإن شاؤا متفقين فيها محظوراً عليهم ما زاد. وذهب بعض الشيعة : إلى أنه يجوز النكاح بلا عدد، كما يجوز التسري بلا عدد. وليست الآية تدل على توقيت في العدد، بل تدل على الإباحة كقولك : تناول ما أحببت واحداً واثنين وثلاثاً. وذكر بعض مقتضى العموم جاء على طريق التبيين، ولا يقتضي الاقتصار عليه. وذهب بعضهم إلى أنه يجوز نكاح تسع، لأن الواو تقتضي الجمع. فمعنى : مثنى وثلاث ورباع اثنين وثلاثاً وأربعاً وذلك تسع، وأكد ذلك بأن النبي ( ﷺ ) ) مات عن تسع. وذهب بعضهم إلى أنَّ هذه الأعداد وكونها عطفت بالواو تدلّ على نكاح جواز ثمانية عشر، لأن كل عدد منها معدول عن مكرر مرتين، وإذا جمعت تلك المكررات كانت ثمانية عشر. والكلام على هذه الأقوال استدلالاً وإبطالاً مذكور في كتب الفقه الخلافية.
وأجمع فقهاء الأمصار على أنه لا تجوز الزيادة على أربع. والظاهر أنه لا يباح النكاح مثنى أو ثلاث أو رباع إلا لمن خاف الجور في اليتامى لأجل تعليقه عليه، أما مَن لم يخف فمفهوم الشرط يدل على أنه لا يجوز له ذلك، والإجماع على خلاف ما دلّ عليه الظاهر من اختصاص الإباحة بمن خاف الجور. أجمع المسلمون على أنَّ مَن لم يجف الجور في أموال اليتامى يجوز له أن ينكح أكثر من واحدة ثنتين وثلاثاً وأربعاً كمن خاف. فدل على أن الآية جواب لمن خاف ذلك، وحكمها أعم.
وقرأ النخعي وابن وثاب : وربع ساقطة الألف، كما حذفت في قوله : وحلياناً برداً يريد بارداً. وإذا أعربنا ما من ما طاب مفعوله وتكون موصولة، فانتصاب مثنى وما بعده على الحال منها، وقال أبو البقاء : حال من النساء. وقال ابن عطية : موضعها من الإعراب نصب على البدل من ما طاب، وهي نكرات لا تتصرف لأنها معدولة وصفه انتهى. وهما إعرابان ضعيفان. أمّا الأوّل فلأن المحدث عنه هو ما طاب، ومن النساء جاء على سبيل التبيين وليس محدثاً عنه، فلا يكون الحال منه، وإن كان يلزم من تقييده بالحال تقييد المنكوحات. وأما الثاني فالبدل هو على نية تكرار العامل، فيلزم من ذلك أن يباشرها العامل. وقد تقرر في المفردات أنها لا يباشرها العامل. وأيضاً فإنه قال : إنها نكرة وصفة، وما كان نكرة وصفة فإنه إذا جاء تابعاً لنكرة كان صفة لها كقوله تعالى :) أُوْلِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ( وما وقع صفة للنكرة وقع حالاً للمعرفة. وما طاب معرفة فلزم أن يكون مثنى حالاً.
( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَواحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ( أي أن لا تعدلوا بين ثنتين إن نكحتموهما، أو بين ثلاث أو أربع إن نكحتموهن في القسم أو النفقة أو الكسوة، فاختاروا واحدة. أو ما ملكت أيمانكم هذا إن حملنا فانكحوا على تزوجوا، وإن حملناه على الوطء قدرنا الفعل الناصب لقوله : فواحدة. فانكحوا واحدة أو ما ملكت أيمانكم. ويحتمل أن يكون من باب علفتها تبناً وماء باردا


الصفحة التالية
Icon