" صفحة رقم ٤٣٥ "
تنبيهاً على تفصيلها.
( وَلاَ الْقَلَائِدَ ( قال مجاهد، وعطاء، ومطرف بن الشخير : القلائد هي ما كانوا يتقلّدون به من شجر الحرم ليأمنوا به، فنُهي المؤمنون عن فعل الجاهلية، وعن أخذ القلائد من شجر الحرم. وفي الحديث :( لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ). وقال الجمهور : القلائد ما كانوا يتقلدونه من السمر إذا خرجوا إلى الحج، فيكون ذلك علامة حجة. وقيل : أو ما يقلده الحرمي إذا خرج لحاجة، ليدل ذلك على أنه حرمي، فنهى تعالى عن استحلال من يحرم بشيء من هذه. وحكى الطبري عن ابن عباس : أنّ القلائد هي الهدى المقلد، وأنه إنما سمي هدياً ما لم يقلد، فكأنه قال : ولا الهدى الذي لم يقلد ولا المقلد منه. قال ابن عطية : وهذا تحامل على ألفاظ ابن عباس، وليس من كلامه أن الهدى، إنما يقال : لما لم يقلد. وإنما يقتضي أنه تعالى نهى عن الهدى جملة، ثم ذكر المقلد منه تأكيداً ومبالغة في التنبيه على الحرمة في المقلد. وقيل : أراد القلائد نفسها فنهى عن التعرض لقلائد الهدى مبالغة في النهي عن التعرض للهدى، أي : لا تحلوا قلائدها فضلاً عن أن تحلوها كما قال تعالى :) وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ( نهى عن إبداء الزينة مبالغة في النهي عن إبداء مواقعها. وقال الطبري : تأويله أنه نهى عن استحلال حرمة المقلد هدياً كان أو إنساناً، واجتزأ بذكر القلائد عن ذكر المقلد إذ كان مفهوماً عند المخاطب.
( وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ ( وقرأ عبد الله وأصحابه : ولا آمي بحذف النون للإضافة إلى البيت، أي ولا تحلوا قوماً قاصدين المسجد الحرام، وهم الحجاج والعمار. قال الزمخشري : وإحلال هذه أي : يتهاون بحرمة الشعائر، وأن يحال بينها وبين المتنسكين وأن يحدثوا في أشهر الحج ما يصدون به الناس عن الحج، وأن يتعرّض للهدى بالغصب أو بالمنع من بلوغ محله.
( يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّن رَّبّهِمْ وَرِضْواناً ( قرأ الجمهور يبتغون بالياء، فيكون صفة لآمين. وفسر الزمخشري الفضل بالثواب، وهو قول بعضهم. وقيل : الفضل التجارة والأرباح فيها. وقيل : الزيادة في الأموال والأولاد يبتغون رجاء الزيادة في هذا. وأما الرضوان فإنهم كانوا يقصدونه وإن كانوا لا ينالونه، وابتغاء الشيء لا يدل على حصوله. وقيل : هو توزيع على المشركين، فمنهم من كان يبتغي التجارة إذ لا يعتقد معاداً، ومنهم من يبتغي الراضون بالحج إذ كان منهم من يعتقد الجزاء بعد الموت وأنه يبعث، وإن كان لا يحصل له رضوان الله، فأخبر بذلك على بناء ظنه. وقيل : كان المسلمون والمشركون يحجون، فابتغاء الفضل منهما، وابتغاء الرضوان من المؤمنين. وقال قتادة : هو أن يصلح معايشهم في الدنيا، ولا يعجِّل لهم العقوبة فيها. وقال قوم : الفضل والرضوان في الآية في معنى واحد وهو رضا الله تعالى وفضله بالرحمة. نهى تعالى أن يتعرض لقوم هذه صفتهم تعظيماً لهم واستنكاراً أن يتعرض لمثلهم. وفي النهي عن التعرض لهم استئلاف للعرب ولطف بهم وتنشيط لورود الموسم، وفي الموسم يسمعون القرآن، وتقوم عليهم الحجة، ويرجى دخولهم في الإيمان كالذي كان.
ونزلت هذه الآية عام الفتح، فكل ما كان فيها في حق مسلم حاج فهو محكم، أو في حق كافر فهو منسوخ، نسخ ذلك بعد عام سنة تسع، إذ حج أبو بكر ونودي في الناس بسورة براءة. وقول الحسن وأبي ميسرة : ليس فيها منسوخ، قول مرجوح. وقرأ حميد بن قيس والأعرج : تبتغون بالتاء خطاباً للمؤمنين، والمعنى على الخطاب أنّ المؤمنين كانوا يقصدون قتالهم والغارة عليهم، وصدهم عن المسجد الحرام امتثالاً لأمر الله وابتغاء مرضاته، إذ أمر تعالى بقتال المشركين، وقتلهم وسبي ذراريهم، وأخذ أموالهم، حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية. وقرأ الأعمش : ورضواناً بضم الراء، وتقدم في آل عمران أنها قراءة أبي بكر عن عاصم، حيث وقع إلا في ثاني هذه السورة، فعنه فيه خلاف.
( وَإِذَا حَلَلْتُم


الصفحة التالية
Icon