" صفحة رقم ٤٣٧ "
كثير العدو، وليس في الكثرة كالمصدر. قالوا : فعلى هذا يكون المعنى لا يجرمنكم بغض قوم. ويعنون ببغيض مبغض اسم فاعل، لأنه من شنيء بمعنى البغض. وهو متعد وليس مضافاً للمفعول ولا لفاعل بخلافه إذا كان مصدراً، فإنه يحتمل أن يكون مضافاً للمفعول وهو الأظهر. ويحتمل أن يكون مضافاً إلى الفاعل أي : بغض قوم إياكم، والأظهر في السكون أن يكون وصفاً، فقد حكى رجل شنآن وامرأة شنآنة، وقياس هذا أنه من فعل متعد. وحكى أيضاً شنآن وشنأى مثل عطشان وعطشى، وقياسه أنه من فعلا لازم. وقد يشتق من لفظ واحد المتعدي واللازم نحو : فغر فاه، وغرَّفوه بمعنى فتح وانفتح. وجوز أن يكون مصدراً وقد حكى في مصادر شنيء، ومجيء المصدر على فعلان بفتح الفاء وسكون العين قليل، قالوا : لويته دينه لياناً. وقال الأحوص : وما الحب إلا ما تحب وتشتهي
وإن لام فيه ذو الشنان وفندا
أصله الشنآن، فحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الساكن قبلها. والوصف في فعلان أكثر من المصدر نحو رحمان. وقرأ أبو عمرو، وابن كثير : إنْ صدوكم بكسر الهمزة على أنها شرطية، ويؤيد قراءة ابن مسعود : إنْ صدوكم وأنكر ابن جرير والنحاس وغيرهما قراءة كسران، وقالوا : إنما صد المشركون الرسول والمؤمنون عام الحديبية، والآية نزلت عام الفتح سنة ثمان، والحديبية سنة ست، فالصد قبل نزول الآية، والكسر يقتضي أن يكون بعد، ولأنّ مكة كانت عام الفتح في أيدي المسلمين، فكيف يصدون عنها وهي في أيديهم ؟ وهذا الإنكار منهم لهذه القراءة صعب جداً، فإنها قراءة متواترة، إذ هي في السبعة، والمعنى معها صحيح، والتقدير : إن وقع صدّ في المستقبل مثل ذلك الصد الذي كان زمن الحديبية، وهذا النهي تشريع في المستقبل. وليس نزول هذه الآية عام الفتح مجمعاً عليه، بل ذكر اليزيدي أنها نزلت قبل أن يصدّوهم، فعلى هذا القول يكون الشرط واضحاً. وقرأ باقي السبعة : أن بفتح الهمزة جعلوه تعليلاً للشنآن، وهي قراءة واضحة أي : شنآن قوم من أجل أنْ صدوكم عام الحديبية عن المسجد الحرام. والاعتداء الانتقام منهم بإلحاق المكروه بهم.
( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِ وَالتَّقْوَى ( لما نهى عن الاعتداء بأمر بالمساعدة والتظافر على الخير، إذ لا يلزم من النهي عن الاعتداء التعاون على الخير، لأنّ بينهما واسطة وهو الخلو عن الاعتداء والتعاون. وشرح الزمخشري البر والتقوى بالعفو والإغضاء، قال : ويجوز أن يراد العموم لكل بر وتقوى، فيتناول العفو انتهى. وقال قوم : هما بمعنى واحد، وكرر لاختلاف اللفظ تأكيداً. قال ابن عطية : وهذا تسامح، والعرف في دلالة هذين اللفظين يتناول الواجب والمندوب إليه، والتقوى رعاية الواجب. فإن جعل أحدهما بدل الآخر فتجوّز انتهى. وقال ابن عباس : البر ما ائتمرت به، والتقوى ما نهيت عنه. وقال سهل : البر الإيمان، والتقوى السنة. يعني : اتباع السنة.
( وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ( الإثم : المعاصي، والعدوان : التعدي في حدود الله قاله عطاء. وقيل : الإثم الكفر، والعصيان والعدوان البدعة. وقيل : الإثم الحكم اللاحق للجرائم، والعدوان ظلم الناس قاله : ابن عطية. وقال الزمخشري : الإثم والعدوان الانتقام والتشفي قال : ويجوز أن يراد العموم لكل إثم وعدوان.
( وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ آلْعِقَابِ ( أمر بالتقوى مطلقة، وإن كان قد أمر بها في التعاون تأكيداً لأمرها، ثم علل ذلك بأنه شديد العقاب. فيجب أن يتقى وشدّة عقابه بكونه لا يطيقه أحد ولاستمراره، فإن غالب الدنيا منقض. وقال مجاهد :