" صفحة رقم ٤٤٦ "
وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور : لا يؤكل ما بقي من أكل الكلب ولا غيره، لأنه إنما أمسك على نفسه ولم يمسك على مرسله. ولأنّ في حديث عديّ ( وإذا أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه ) وعن عليّ :( إذا أكل البازي فلا تأكل ) وفرق قوم ما أكل منه الكلب فمنعوا من أكله، وبين ما أكل منه البازي، فرخصوا في أكله منهم : ابن عباس، والشعبي، والنخعي، وحماد بن أبي سليمان، وأبو جعفر محمد بن عليّ الثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، لأنّ الكلب إذا ضرب انتهى، والبازي لا يضرب. والظاهر أنّ الجارح إذا شرب من الدم أكل الصيد، وكره ذلك سفيان الثوري. والظاهر أنه إذا انفلت من صاحبه فصاد من غير إرسال أنه لا يجوز أكل ما صاد. وقال عليّ، والأوزاعي : إن كان أخرجه صاحبه للصيد جاز أكل ما صاد. وممن منع من أكله إذا صاد من غير إرسال صاحبه : ربيعة، وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأبو ثور. والظاهر جواز أكل ما قتله الكلب بفمه من غير جرح لعموم مما أمسكن. وقال بعضهم : لا يجوز لأنه ميت.
٢ ( ) وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِى وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ يَاأَيُّهَآ الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىأَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِأايَاتِنَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ يَاأَيُّهَآ الَّذِينَ ءَامَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( ) ) ٢
) وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ( الظاهر عود الضمير في عليه إلى المصدر المفهوم من قوله : فكلوا، أي على الأكل. وفي الحديث في صحيح مسلم ( سم الله وكل مما يليك ) وقيل : يعود على ما أمسكن، على معنى : وسموا عليه إذا أدركتم ذكاته، وهذا فيه بعد. وقيل : على ما علمتم من الجوارح أي : سموا عليه عند إرساله لقوله :( إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل ) واختلفوا في التسمية عند الإرسال : أهي على الوجوب ؟ أو على الندب ؟ والمستحب أن يكون لفظها بسم الله والله أكبر. وقول من زعم : إن في الكلام تقديماً وتأخيراً، وإنّ الأصل : فاذكروا اسم الله عليه وكلوا مما أمسكن عليكم، قول مرغوب عنه لضعفه.
( وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ( لما تقدم ذكر ما حرَّم وأحلَّ من المطاعم أمر بالتقوى، فإنّ التقوى بها يمسك الإنسان عن الحرام. وعلل الأمر بالتقوى بأنه تعالى سريع الحساب لمن خالف ما أمر به من تقواه، فهو وعيد بيوم القيامة، وأن حسابه تعالى إياكم سريع إتيانه، إذ يوم القيامة قريب. أو يراد بالحساب المجازاة، فتوعد مَن لم يتق بمجازاة سريعة قريبة، أو لكونه تعالى محيطاً بكل شيء لا يحتاج في الحساب إلى مجادلة عدّ، بل يحاسب الخلائق دفعة واحدة.
المائدة :( ٥ ) اليوم أحل لكم.....
( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيّبَاتُ ( فائدة إعادة ذكر إحلال الطيبات التنبيه بإتمام النعمة فيما يتعلق بالدنيا، ومنها إحلال الطيبات كما نبه بقوله :) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى ( على إتمام النعمة في كل ما يتعلق بالدين. ومن زعم أنّ اليوم واحد قال : كرره ثلاث مرات تأكيداً، والظاهر أنها أوقات مختلفة. وقد قيل في الثلاثة : إنها أوقات أريد بها مجرد الوقت، لا وقت معين. والظاهر أنّ الطيبات هنا هي الطيبات المذكورة قبل.
( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ( طعامهم هنا هي الذبائح كذا قال معظم أهل التفسير. قالوا : لأنّ ما كان من نوع البر والخبز والفاكهة وما لا يحتاج فيه إلى ذكاة لا يختلف في حلها باختلاف حال أحد، لأنها لا تحرم بوجه سواء كان المباشرة لها كتابياً، أو مجوسياً، أم غير ذلك. وأنها لا يبقى لتخصيصها بأهل الكتاب فائدة، ولأن ما قبل هذا في بيان الصيد والذبائح فحمل هذه الآية على الذبائح أولى. وذهب قوم إلى أنّ المراد بقوله : وطعام، جميع مطاعمهم. ويعزي إلى قوم ومنهم بعض أئمة الزيدية حمل الطعام هنا على ما لا يحتاج فيه إلى الذكاة كالخبز والفاكهة، وبه قالت الإمامية. قال الشريف المرتضى : نكاح الكتابية حرام، وذبائحهم وطعامهم وطعام من يقطع بكفره. وإذا حملنا الطعام على ما قاله الجمهور من الذبائح فقد اختلفوا فيما هو حرام عليهم، أيحل لنا أم يحرم ؟ فذهب الجمهور إلى أنّ تذكية الذمي مؤثرة في كل الذبيحة ما حرم عليهم منها وما حل، فيجوز لنا أكله. وذهب قوم إلى أنه لا تعمل الذكاة فيما حرم عليهم، فلا يحل لنا أكله كالشحوم المحضة، وهذا هو الظاهر لقوله : وطعام الذين أوتوا الكتاب، وهذا المحرم عليهم ليس من طعامهم. وهذا الخلاف موجود في مذهب مالك.
والظاهر حل طعامهم سواء سموا عليه اسم الله، أم اسم غيره، وبه قال : عطاء، والقاسم بن بحصرة، والشعبي، وربيعة، ومكحول، والليث، وذهب إلى أنّ الكتابي إذا لم يذكر اسم الله على