" صفحة رقم ٤٤٩ "
الجوزي : سمعت الحسن بن أبي بكر النيسابوري يقول : إنما أباح الله الكتابيات لأن بعض المسلمين قد يعجبه حسنهن، فحذر نكاحهن من الميل إلى دينهن بقوله : ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله. وقرأ ابن السميقع : حبط بفتح الباء وهو في الآخرة من الخاسرين حبوط عمله وخسرانه. في الآخرة مشروط بالموافاة على الكفر.
المائدة :( ٦ ) يا أيها الذين.....
( يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلواةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ( نزلت في قصة عائشة رضي الله عنها حين فقدت العقد بسبب فقد الماء ومشروعية التيمم، وكان الوضوء متعذراً عندهم، وإنما جيء به للاستطراد منه إلى التيمم، وذلك في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق، وفيها كان هبوب الريح وقول عبد الله بن أبي بن سلول : لئن رجعنا إلى المدينة وحديث الافك. وقال علقمة بن الفعواء وهو من الصحابة : إنها نزلت رخصة للرسول لأنه كان لا يعمل عملاً إلا على وضوء، ولا يكلم أحداً ولا يرد سلاماً على غير ذلك، فأعلمه الله أنّ الوضوء إنما هو عند القيام إلى الصلاة فقط دون سائر الأعمال.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما افتتح بالأمر بإيفاء العهود، وذكر تحليلاً وتحريماً في المطعم والمنكح واستقصى ذلك، وكان المطعم آكد من المنكح وقدمه عليه، وكان النوعان من لذات الدنيا الجسمية ومهماتها للإنسان وهي معاملات دنيوية بين الناس بعضهم من بعض، استطرد منها إلى المعاملات الأخروية التي هي بين العبد وربه سبحانه وتعالى، ولما كان أفضل الطاعات بعد الإيمان الصلاة، والصلاة لا تمكن إلا بالطهارة، بدأ بالطهارة وشرائط الوضوء، وذكر البدل عنه عند تعذر الماء. ولما كانت محاولة الصلاة في الأغلب إنما هي بقيام، جاءت العبارة : إذا قمتم أي : إذا أردتم القيام إلى فعل الصلاة. وعبر عن إرادة القيام بالقيام، إذ القيام متسبب عن الإرادة، كما عبروا عن القدرة على الفعل بالفعل في قولهم : الأعمى لا يبصر أي لا يقدر على الأبصار، وقوله :) نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ( أي قادرين على الإعادة. وقوله :) فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءانَ فَاسْتَعِذْ ( أي إذا أردت قراءة القرآن لما كان الفعل متسبباً عن القدرة والإرادة أقيم المسبب مقام السبب.
وقيل : معنى قمتم إلى الصلاة، فصدتموها، لأنّ من توجه إلى شيء وقام إليه كان قاصداً له، فعبر عن القصد له بالقيام إليه. وظاهر الآية يدل على أنّ الوضوء واجب على كل من قام إلى الصلاة متطهراً كان أو محدثاً، وقال به جماعة منهم : داود. وروى فعل ذلك عن عليّ وعكرمة. وقال ابن شيرين : كان الخلفاء يتوضؤون لكل صلاة. وذهب الجمهور : إلى أنه لا بد في الآية من محذوف وتقديره : إذا قمتم إلى الصلاة محدثين، لأنه لا يجب الوضوء إلا على المحدث، ويدل على هذا المحذوف مقابلته بقوله :) وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ ( وكأنه قيل : إن كنتم محدثين الحدث الأصغر فاغسلوا هذه الأعضاء، وامسحوا هذين العضوين. وإن كنتم محدثين الحدث الأكبر فاغسلوا جميع الجسد. وقال قوم منهم : السدي، وزيد بن أسلم : إذا قمتم من المضاجع يعنون النوم. وقالوا : في الكلام تقديم وتأخير أي : إذا قمتم إلى الصلاة من النوم، أو جاء أحد منكم من الغائط، أو لامستم النساء أي الملامسة الصغرى فاغسلوا وجوهكم. وهذا التأويل ينزه حمل كتاب الله عليه، وإنما ذكروا ذلك طلباً لأن يعم الإحداث بالذكر.
وقال قوم : الخطاب خاص وإن كان بلفظ العموم، وهو رخصة للرسول ( ﷺ ) ) أمر بالوضوء عند كل صلاة فشق عليه ذلك، فأمر بالسواك، فرفع عنه الوضوء إلا من حدث. وقال قوم : الأمر بالوضوء لكل صلاة على سبيل الندب، وكان كثير من الصحابة بفعله طلباً للفضل منهم : ابن عمر. وقال قوم : الوضوء عند كل صلاة كان فرضاً ونسخ. وقيل : فرضاً على الرسول خاصة، فنسخ عنه


الصفحة التالية
Icon