" صفحة رقم ٤٦١ "
) أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ( أي نمسخهم كما مسخناهم قاله : الحسن، ومقاتل. أو عذبناهم بأخذ الجزية قاله : ابن عباس. وقال قتادة : نقضوا الميثاق بتكذيب الرسل الذين جاءوا بعد موسى وقتلهم الأنبياء بغير حق وتضييع الفرائض.
( وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ( قال ابن عباس : جافية جافة. وقيل : غليظة لا تلين. وقيل : منكرة لا تقبل الوعظ، وكل هذا متقارب. وقسوة القلب غلظه وصلابته حتى لا ينفعل لخير. وقرأ الجمهور من السبعة : قاسية اسم فاعل من قسا يقسو. وقرأ عبد الله وحمزة والكسائي : قسية بغير ألف وبتشديد الياء، وهي فعيل للمبالغة كشاهد وشهيد. وقال قوم : هذه القراءة ليست من معنى القسوة، وإنما هي كالقسية من الدراهم، وهي التي خالطها غش وتدليس، وكذلك القلوب لم يصل الإيمان بل خالطها الكفر والفساد. قال أبو زبيد الطائي : لهم صواهل في صم السلاح كما
صاح القسيات في أيدي الصياريف
وقال آخر : فما زادوني غير سحق عمامة
وخمس ميء فيها قسي وزائف
قال الفارسي : هذه اللفظة معربة وليست بأصل في كلام العرب. وقال الزمخشري وقرأ عبد الله قسية أي رديئة مغشوشة من قولهم : درهم قسي، وهو من القسوة، لأن الذهب والفضة الخالصتين فيهما لين، والمغشوش فيه يبس وصلابة. والقاسي والقاسح بالحاء إخوان في الدلالة على اليبس والصلابة انتهى. وقال المبرد : سمى الدرهم الزائف قسييًّا لشدته بالغش الذي فيه، وهو يرجع إلى المعنى الأول، والقاسي والقاسح بمعنى واحد انتهى. وقول المبرد : مخالف لقول الفارسي، لأن المعهود جعله عربياً من القسوة، والفارسي جعله معرباً دخيلاً في كلام العرب وليس من ألفاظها.
وقرأ الهيصم بن شراح : قسية بضم القاف وتشديد الياء، كحنى. وقرىء بكسر القاف اتباعاً. وقال الزمخشري : خذلناهم ومنعناهم الألطاف حتى قست قلوبهم، أو أملينا لهم ولم نعاجلهم بالعقوبة حتى قست انتهى. وهو على مذهبه الاعتزالي. وأما أهل السنة فيقولون : إن الله خلق القسوة في قلوبهم.
( يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّواضِعِهِ ( أي يغيرون ما شق عليهم من أحكامها، كآية الرجم بدلوها لرؤسائهم بالتحميم وهو تسويد الوجه بالفحم قال معناه ابن عباس وغيره، وقالوا : التحريف بالتأويل لا بتغيير الألفاظ، ولا قدرة لهم على تغييرها ولا يمكن. ألا تراهم وضعوا أيديهم على آية الرجم ؟ وقال مقاتل : تحريفهم الكلم هو تغييرهم صفة الرسول أزالوها وكتبوا مكانها صفة أخرى فغيروا المعنى والألفاظ، والصحيح أن تحريف الكلم عن مواضعه هو التغيير في اللفظ والمعنى، ومن اطلع على التوراة علم ذلك حقيقة، وقد تقدم الكلام على هذا المعنى. وهذه الجملة وما بعدها جاءت بياناً لقسوة قلوبهم، ولا قسوة أشد من الافتراء على الله تعالى وتغيير وحيه. وقرأ أبو عبد الرحمن والنخعي الكلام بالألف. وقرأ أبو رجاء : الكلم بكسر الكاف وسكون اللام. وقرأ الجمهور : الكلم بفتح الكاف.
( وَنَسُواْ حَظَّا مّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ ( وهذا أيضاً من قسوة قلوبهم وسوء فعلهم بأنفسهم، حيث ذكروا بشيء فنسوه وتركوه، وهذا الحظ


الصفحة التالية
Icon