" صفحة رقم ٤٧٢ "
أنّ موسى وهارون عليهما السلام لا يملكان الأنفس موسى فقط، وليس المعنى على ذلك، بل الظاهر أنّ موسى يملك أمر نفسه وأمر أخيه فقط. وجوز أيضاً أن يكون مجروراً معطوفاً على ياء المتكلم في نفسي، وهو ضعيف على رأي البصريين. وكأنه في هذا الحصر لم يثق بالرجلين اللذين قالا : ادخلوا عليهم الباب، ولم يطمئن إلى ثباتهما لما عاين من أحوال قومه وتلونهم مع طول الصحبة، فلم يذكر إلا النبي المعصوم الذي لا شبهة في ثباته. قيل : أو قال ذلك على سبيل الضجر عندما سمع منهم تعليلاً لمن يوافقه، أو أراد بقوله : وأخي، من يوافقني في الدين لا هارون خاصة. وقرأ الحسن : إلا نفسي وأخي بفتح الياء فيهما.
( فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ( ظاهره أنه دعا بأن يفرق الله بينهما وبينهم بأن يفقد وجوههم ولا يشاهد صورهم إذا كانوا عاصين له مخالفين أمر الله تعالى، ولذلك نبه على العلة الموجبة للتفرقة بينهم وبين الفسق فالمطيع لا يريد صحبة الفاسق ولا يؤثرها لئلا يصيبه بالصحبة ما يصيبه، ( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً ( ) يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ ( وقبل الله دعاءه فلم يكونا معهم في التيه، بل فرق بينه وبينهم، لأن التيه كان عقاباً خص به الفاسقون العاصون. وقال ابن عباس والضحاك وغيرهما : المعنى فافصل بيننا بحكم يزيل هذا الاختلاف ويلمّ الشعث. وقيل : المعنى فافرق بيننا وبينهم في الآخرة حتى تكون منزلة المطيع مفارقة لمنزلة العاصي الفاسق. وقال الزمخشري : فافصل بيننا وبينهم بأن تحكم لنا بما نستحق، وعليهم بما يستحقون، وهو في معنى الدعاء عليهم، ولذلك وصل به قوله : فإنها محرمة عليهم، على وجه التشبيه. وقرأ عبيد بن عمير ويوسف بن داود : فافرِق بكسر الراء وقال الراجز : يا رب فافرق بينه وبيني
أشدّ ما فرّقت بين اثنين
وقرأ ابن السميقع : ففرق. والفاسقون هنا قال ابن عباس : العاصون. وقال ابن زيد : الكاذبون. وقال أبو عبيد : الكافرون.
المائدة :( ٢٦ ) قال فإنها محرمة.....
( قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى الاْرْضِ ( أي قال الله تعالى فأضمر في قال وضمير، فإنها إلى الأرض المقدّسة محرّمة عليهم، أي محرم دخولها وتملكهم إياها وتقدّم الكلام على انتظام قوله :) كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ( مع قوله محرمة عليهم، ودل هذا على أنهم بعد الأربعين لا تكون محرمة عليهم. فروي أن موسى وهارون عليهما السلام كانا معهم في التيه عقوبة لهم وروحاً وسلاماً لهما، لا عقوبة، كما كانت النار لابراهيم ولملائكة العذاب. فروي أن موسى سار بعد الأربعين بمن بقي من بني إسرائيل، وكان يوشع وكالب على مقدمته، ففتح اريحا وقتل عوج بن عنق، وذكروا من وصف عوج وكيفية قتل موسى له ما لا يصح. وأقام موسى فيها ما شاء الله ثم قبض. وقيل : مات هارون في التيه. قال ابن عطية : ولم يختلف في هذا. وروي : أنّ موسى مات في التيه بعد هارون بثمانية أعوام. وقيل : بستة أشهر ونصف. وقيل : بسنة ونبأ الله يوشع بعد كمال الأربعين سنة فصدقه بنو إسرائيل، وأخبرهم أن الله تعالى أمره بقتال الجبابرة فصدّقوه وبايعوه، وسار فيهم إلى اريحا وقتل الجبارين وأخرجهم، وصار الشام كله لبني إسرائيل. وفي تلك الحرب وقفت له الشمس ساعة حتى استمر هزم الجبارين، وقد ألمّ بذكر وقوف الشمس ليوشع أبو تمام في شعره فقال : فردت علينا الشمس والليل راغم
بشمس بدت من جانب الخدر تطلعنضا ضوؤها صبغ الدجنة وانطوى لبهجتها ثوب السماء المجزع