" صفحة رقم ٥٠١ "
بعد إيمانهم انتهى. وهو على مذهبه الاعتزالي.
( لَهُمْ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ ( أي ذل وفضيحة. فخزي المنافقين بهتك سترهم وخوفهم من القتل إن اطلع على كفرهم المسلمون، وخزي اليهود تمسكنهم وضرب الجزية عليهم، وكونهم في أقطار الأرض تحت ذمّة غيرهم وفي إيالته. وقال مقاتل : خزي قريظة بقتلهم وسبيهم، وخزي بني النضير بإجلائهم.
( وَلَهُمْ فِى الاْخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( وصف بالعظم لتزايده فلا انقضاء له، أو لتزايد ألمه أو لهما.
المائدة :( ٤٢ ) سماعون للكذب أكالون.....
( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ( قال الحسن : يسمعون الكلام ممن يكذب عندهم في دعواه فيأتيهم برشوة فيأخذونها. وقال أبو سليمان : هم اليهود ويسمعون الكذب، وهو قول بعضهم لبعض : محمد كاذب ليس بنبي، وليس في التوراة الرجم، وهم يعلمون كذبهم. وقيل : الكذب هنا شهادة الزور انتهى. وهذا الصوف إن كان قوله أوّلاً : سماعون للكذب، وصفاً لبني إسرائيل.
وتقدم أن السحت المال الحرام. واختلف في المراد به هنا، فعن ابن مسعود : أنه الرشوة في الحكم، ومهر البغي، وحلوان الكاهن، وثمن الكلب، والنرد، والخمر، والخنزير، والميتة، والدم، وعسب الفحل، وأجرة النائحة والمغنية، والساحر، وأجر مصوّر التماثيل، وهدية الشفاعة. قالوا وسمي سحتاً المال الحرام لأنه يسحت الطاعات أو بركة المال أو الدين أو المروءة وعن ابن مسعود ومسروق : أن المال المأخوذ على الشفاعة سحت. وعن الحسن : أنّ ما أكل الرجل من مال من له عليه دين سحت. وقيل لعبد الله : كنا نرى أنه ما أخذ على الحكم يعنون الرشا، قال : ذلك كفر، قال تعالى :) وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ). وقال أبو حنيفة : إذا ارتشى الحاكم يعزل، وفي الحديث :) كُلٌّ لَحْمَ نَّبَاتٍ مِنْ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا ( وقال علي وأبو هريرة : كسب الحجاج سحت، يعني أنه يذهب المروءة، وما ذكر في معنى السحت فهو من أمثلة المال الذي لا يحل كسبه.
ومن أعظم السحت الرشوة في الحكم، وهي المشار إليها في الآية. كان اليهود يأخذون الرشا على الأحكام وتحليل الحرام. وعن الحسن : كان الحاكم في بني إسرائيل إذا أتاه أحدهم برشوة جعلها في كمه فأراه إياها، وتكلم بحاجته، فيسمع منه ولا ينظر إلى خصمه، فيأكل الرشوة ويسمع الكذب. وقرأ النحويان وابن كثير : السحت بضمتين. وقرأ باقي السبعة : بإسكان الحاء. وزيد بن علي وخارجة بن مصعب عن نافع : بفتح السين وإسكان الحاء، وقرىء بفتحتين. وقرأ عبيد بن عمير : بكسر السين وإسكان الحاء، فبالضم والكسر والفتحتين اسم المسحوت كالدهن والرّعي والنبض، وبالفتح والسكون مصدر أريد به المفعول كالصيد بمعنى المصيد، أو سكنت الحاء طلباً للخفة.
( فَانٍ جَاءوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ( أي فإن جاؤك للحكم بينهم فأنت مخير بين أن تحكم، أو تعرض. والظاهر بقاء هذا الحكم من التخيير لحكام المسلمين. وعن عطاء، والنخعي، والشعبي، وقتادة، والأصم، وأبي مسلم، وأبي ثور : أنهم إذا ارتفعوا إلى حكام المسلمين، فإن شاؤا حكموا وإن شاؤا أعرضوا. وقال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، وعطاء الخراساني، وعمر بن عبد العزيز، والزهري : التخيير منسوخ بقوله :) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ( فإذا جاؤوا فليس للإمام أن يردهم إلى أحكامهم. والمعنى عند غيرهم : وأن احكم بينهم بما أنزل الله إذا اخترت الحكم بينهم دون الإعراض عنهم. وعن أبي حنيفة : إنْ احتكموا إلينا حملوا على حكم الإسلام، وأقيم الحدّ على الزاني بمسلمة، والسارق من مسلم. وأما أهل الحجاز فلا يرون إقامة الحدود عليهم، يذهبون إلى أنهم قد صولحوا على شركهم وهو أعظم من الحدود، ويقولون : إنّ رجم اليهوديين كان قبل نزول الجزية. وقال ابن عطية : الأمة مجمعة على أنّ حاكم المسلمين يحكم بين أهل الذمة في التظالم، ويتسلط عليهم في تغيير، ومن ذلك حبس السلع المبيعة