" صفحة رقم ١٠٨ "
والظاهر أن الضمير في ) لَهُمْ ( عائد على من عاد عليه في وقفوا. قال أبو روق : وهم جميع الكافرين يجمعهم الله ويقول ) أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ ( الآية فيقولون ) وَاللَّهِ رَبّنَا ( الآية، فتنطق جوارحهم وتشهد بأنهم كانوا يشركون في الدنيا وبما كتموا، فذلك قوله ) بَلْ بَدَا لَهُمْ ( فعلى هذا يكون من قبل راجعاً إلى الآخرة أي من قبل بدوه في الآخرة. وقال قتادة : يظهر ) مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ ( من شركهم. وقال ابن عباس : هم اليهود والنصارى، وذلك أنهم لو سئلوا في الدّنيا هل تعاقبون على ما أنتم عليه ؟ قالوا : لا ثم ظهر لهم عقوبة شركهم في الآخرة فذلك قوله ) بَلْ بَدَا لَهُمْ ). وقيل : كفار مكة ظهر لهم ما أخفوه من أمر البعث بقولهم :) مَا هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ ( وقيل : المنافقون كانوا يخفون الكفر فظهر لهم وباله يوم القيامة. وقيل : الكفار الذين كانوا إذا وعظهم الرسول خافوا وأخفوا ذلك الخوف لئلا يشعربهم أتباعهم فيظهر ذلك لهم يوم القيامة. وقيل : اليهود والنصارى وسائر الكفار ويكون الذي يخفونه نبوة محمد ( ﷺ ) ) وأحواله والمعنى بدا لهم صدقك في النبوّة وتحذيرك من عقاب الله، وهذه الأقوال على أن الضمير في ) لَهُمْ ( و ) يَخَافُونَ ( عائد على جنس واحد. وقيل : الضمير مختلف أي بدا للاتباع ما كان الرؤساء يحفونه عنهم من الفساد، وروي عن الحسن نحو هذا. وقيل : بدا لمشركي العرب ما كان أهل الكتاب يخفونه عنهم من البعث، وأمر النار لأنه سبق ذكر أهل الكتاب في قوله ) الَّذِينَ ءاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ( يعرفونه. وقيل :) بَلْ بَدَا لَهُمْ ( أي لبعضهم ما كان يخفيه عنه بعضهم، فأطلق كلاًّ على بعض مجازاً. وقال الزهراوي : ويصح أن يكون مقصود الآية الإخبار عن هول يوم القيامة فعبر عن ذلك بأنهم ظهرت لهم مستوراتهم في الدنيا من معاص وغيرها، فكيف الظن على هذا بما كانوا يعلنون به من كفر ونحوه، وينظر إلى هذا التأويل قوله تعالى في تعظيم شأن يوم القيامة ) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ). وقال الزمخشري :) مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ ( من الناس من قبائحهم وفضائحهم في صحفهم وشهادة جوارحهم عليهم، فلذلك تمنوا ما تمنوا ضجر إلا أنهم عازمون على أنهم لو ردّوا لآمنوا ؛ انتهى.
( وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ( أي ) وَلَوْ رُدُّواْ ( إلى الدنيا بعد وقوفهم على النار وتمنيهم الرد، لعادوا لما نهوا عنه من الكفر. قال الزمخشري : والمعاصي ؛ انتهى. فأدرج الفساق الذين لم يتوبوا في الموقوفين على النار المتنين الردّ على مذهبه الاعتزالي وهذه الجملة إخبار عن أمر لا يكون كيف كان يؤخذ وهذا النوع مما استأثر الله بعلمه، فإن أعلم بشيء منه علم وإلا لم يتكلم فيه. قال ابن القشيري :) لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ( من الشرك لعلم الله فيهم وأرادته أن لا يؤمنوا في الدنيا، وقد عاين إبليس ما عاين من آيات الله ثم عاند. وقال الواحدي : هذه الآية من الأدلة الظاهرة على المعتزلة على فساد قولهم، وذلك أنه تعالى أخبر عن قوم جرى عليهم قضاؤه في الأزل بالشرك ثم بين أنهم لو شاهدوا النار والعذاب ثم سألوا الرجعة وردّوا إلى الدنيا لعادوا إلى الشرك وذلك للقضاء السابق فيهم، وإلا فالعاقل لا يرتاب فيما شاهد ؛ انتهى. وأورد هنا سؤال وأظنه للمعتزلة وهو كيف يمكن أن يقال ولو ردّوا إلى الدنيا لعادوا إلى الكفر بالله وإلى معصيته وقد عرفوا الله بالضروة وشاهدوا أنواع العقاب ؟ وأجاب القاضي : بأن التقدير ولو ردّوا إلى حالة التكليف وإنما يحصل الردّ إلى هذه الحالة لو لم يحصل في القيامة معرفة الله بالضرورة ومشاهدة الأهوال وعذاب جهنم فهذا


الصفحة التالية
Icon