" صفحة رقم ١١٢ "
مختلف. وقيل : هو مجاز عبر بحل الوزر عن ما يجده من المشقة والآلام بسبب ذنوبه، والمعنى أنهم يقاسون عقاب ذنوبهم مقاساة تثقيل عليهم وهذا القول بدأ به ابن عطية ولم يذكر الزمخشري غيره قال كقوله :) فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ( لأنه اعتيد حمل الأثقال على الظهور كما ألف الكسب بالأيدي والواو في ) وَهُمْ ( واو الحال وأتت الجملة مصدرة بالضمير لأنه أبلغ في النسبة إذ صار ذو الحال مذكوراً مرتين من حيث المعنى وخص الظهر لأنه غالباً موضع اعتياد الحمل ولأنه يشعر بالمبالغة في ثقل المحمول إذ يطيق من الحمل الثقيل ما لا تطيقه الرأس ولا الكاهل، كما قال ) فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ( لأن اللمس أغلب ما يكون باليد ولأنها أقوى في الإدراك.
( أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ ( ) سَاء ( هنا تحتمل وجوهاً ثلاثة. أحدها : أن تكون المتعدية المتصرفة ووزنها فعل بفتح العين والمعنى ألا ساءهم ما يزرون، وتحتمل ) مَا ( على هذا الوجه أن تكون موصولة بمعنى الذي، فتكون فاعلة ويحتمل أن تكون ) مَا ( مصدرية فينسبك منها ما بعدها مصدر هو الفاعل أي ألا ساءهم وزرهم. والوجه الثاني : أنها حوّلت إلى فعل بضم العين وأشربت معنى التعجب والمعنى ألا ما أسوأ الذي يزرونه أو ما أسوأ وزرهم على الاحتمالين في ما. والثالث : أنها أيضاً حوّلت إلى فعل بضم العين، وأريد بها المبالغة في الذمّ فتكون مساوية لبئس في المعنى والأحكام، ويكون إطلاق الذي سبق في ) مَا ( في قوله :) بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ ( جارياً فيها هنا، والفرق بين هذا الوجه والوجه الذي قبله أن الذي قبله لا يشترط فيه ما يشترط في فاعل بئس من الأحكام ولا هو جملة منعقدة من مبتدإ وخبر، إنما هو منعقد من فعل وفاعل والفرق بين هذين الوجهين والأوّل أن في الأول الفعل متعد وفي هذين قاصر، وإن الكلام فيه خبر وهو في هذين إنشاء وجعل الزمخشري من باب بئس فقط فقال : ساء ما يزرون بئس شيئاً يزرون وزرهم كقوله :) سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ (، وذكر ابن عطية هذا الوجه احتمالاً أخيراً وبدأ بأن ) سَاء ( متعدية و ) مَا ( فاعل كما تقول ساء في هذا الأمر وإن الكلام خبر مجرد. قال كقول الشاعر : رضيت خطة خسف غير طائلة
فساء هذا رضا يا قيس عيلانا
ولا يتعين ما قال في البيت من أن الكلام فيه خبر مجرد ؛ بل يحتمل قوله : فساء هذا رضا الأوجه الثلاثة وافتتحت هذه الجملة ب ) إِلا ( تنبيهاً وإشارة لسوء مرتكبهم فألا تدل على الإشارة بما يأتي بعدها كقوله : ألا فليبلغ الشاهد الغائب ) أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ ( ألا لا يجهلن أحد علينا.
الأنعام :( ٣٢ ) وما الحياة الدنيا.....
( وَمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الاْخِرَةُ خَيْرٌ لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ( لما ذكر قولهم وقالوا :) إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ( ذكر مصيرها وإن منتهى أمرها أنها فانية منقضية عن قريب، فصارت شبيهة باللهو واللعب إذ هما لا يدومان ولا طائل لهما كما أنها لا طائل لها، فاللهو واللعب اشتغال بما لا غنى به ولا منفعة كذلك هي الدنيا بخلاف الاشتغال بأعمال الآخرة فإنها التي تعقب المنافع والخيرات. وقال الحسن : في الكلام حذف التقدير وما أهل الحياة إلا أهل لعب ولهو. وقيل : التقدير وما أعمال الحياة. وقال ابن عباس : هذه حياة الكافر لأنه يزجيها في غرور وباطل، وأما حياة المؤمن فتطوى على أعمال صالحة فلا تكون لعباً ولهواً وفي


الصفحة التالية
Icon