" صفحة رقم ١١٤ "
الوجوه خساسة هذه اللذات، وأما السعادات الروحانية فسعادات عالية شريفة باقية مقدسة وذلك أن جميع الخلق إذا تخيلوا في إنسان كثرة العلم وشدّة الانقباض عن اللذات الجسمانية، فإنهم بالطبع يعظمونه ويخذمونه ويعدّون أنفسهم عبيداً له وأشقياء بالنسبة إليه، ولو فرضنا تشارك خيرات الدنيا وخيرات الآخرة في التفضيل لكانت خبرات الآخرة أفضل، لأنن الوصول إليها معلوم قطعاً وخيرات الدنيا ليست معلومة بل ولا مظنونة، فكم من سلطان قاهر بكرة يوم أمسى تحت التراب آخره ؛ وكم مصبح أميراً عظيماً أمسى أسيراً حقيراً ؟ ولو فرضنا أنه وجد بعد سرور يوم يوماً آخر، فإنه لا يدري هل ينتفع في ذلك اليوم بما جمع من الأموال والطيبات واللذات ؟ بخلاف موجب السعادات الأخروية فإنه يقطع أنه ينتفع بها في الآخرة وهب أنه انتفع بها، فليس ذلك الانتفاع خالياً من شوائب المكروهات والمحزنات وهب أنه انتفع في الغد فإنها تنقضي ويحزم عند انقضائها، كما قال الشاعر : أشدّ الغم عندي في سرور
تيقن عنه صاحبه انتقالا
فثبت بما ذكر أن خيرات الدنيا موصوفة بهذه العيوب، وخيرات الآخرة مبرأة عنها فوجب القطع بأن الآخرة أفضل وأكمل وأبقى انتهى ما لخص من كلامه مع اختلاف بعض ألفاظ وهي شبيهة بكلام أهل الفلسفة، لأن السعادات الأخروية عندهم هي روحانية فقط واعتقاد المسلمين أنها لذات جسمانية وروحانية، وأيضاً ففي كلامه انتقاد من حيث إن بعض الأوصاف التي حقرها هو جعلها الله في بعض من اصطفاه من خلقه فلا تكون تلك الصفة إلا شريفة لا كما قاله هو من أنها صفة خسيسة. وقرأ نافع وابن عامر وحفص ) أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ( بالتاء خطاب مواجهة لمن كان بحضرة الرسول من منكري البعث. وقرأ الباقون بالياء عوداً على ما قبل لأنها أسماء غائبة والمعنى أفلا تعقلون أن الآخرة خير من الدنيا. وقيل : أفلا يعقلون أن الأمر هكذا فيزهدوا في الدّنيا.
٢ (
الأنعام :( ٣٣ ) قد نعلم إنه.....
( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِى يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَاكِنَّ الظَّالِمِينَ بِأايَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِىَ نَفَقاً فِى الاٌّ رْضِ أَوْ سُلَّماً فِى السَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِأايَةٍ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ( ) ) ٢
) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِى يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ وَلَاكِنَّ الظَّالِمِينَ بِئَايَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ( وقال النقاش : نزلت في الحارث بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف فإنه كان يكذب في العلانية ويصدق في السرّ ويقول : نخاف أن تتخطفنا العرب ونحن أكلة رأس، وقال غيره : روي أن الأخنس بن شريف قال لأبي جهل. يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب ؟ فإنه ليس عندنا أحد غيرنا فقال له : والله أن محمداً لصادق وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصيّ باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش فنزلت. قد حرف توقع إذا دخلت على مستقبل الزمان كان التوقع من المتكلم كقولك : قد ينزل المطر في شهر كذا وإذا كان ماضياً أو فعل حال بمعنى


الصفحة التالية
Icon