" صفحة رقم ١٢٠ "
المضارع المنفيّ بلم لأنه ماض، ولا يكون بصيغة المضارع إلا في الشعر.
( وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ( أي إما يخلق ذلك في قلوبهم أولاً فلا يضل أحد وإما يخلقه فيهم بعد ضلالهم، ودلّ هذا التعليق على أنه تعالى ما شاء منهم جميعهم الهدى، بل أراد إبقاء الكافر على كفره.
قال أبو عبد الله الرازي : ويقرر هذا الظاهر أن قدرة الكافر على الكفر إن لم تكن صالحة للإيمان، فالقدرة على الكفر مستلزمة له غير صالحة للإيمان فخالق تلك القدرة يكون قد أراد الكفر لا محالة، وإن كانت صالحة له كما صلحت للكفر استوت نسبة القدرة إليهما فامتنع الترجيح إلا الداعية مرجحة، وليست من العبد وإلا وقع التسلسل، فثبت أن خالق تلك الداعية هو الله وثبت أن مجموع الداعية الصالحة توجب الفعل وثبت أن خالق مجموع تلك الداعية المستلزمة لذلك الكفر مريد لذلك الكفر غير مريد لذلك الإيمان، فهذا البرهان اليقيني قوي ظاهر هذه الآية، ولا بيان أقوى من تطابق البرهان مع ظاهر القرآن.
وقال ابن عطية : وهذه الآية تردّ على القدرية المفوّضة الذين يقولون : إن القدرة لا تقتضي أن يؤمن الكافر وأن ما يأتيه الإنسان من جميع أفعاله لا خلق فيه تعالى الله عن قولهم.
وقال الزمخشري :) وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ( بآية ملجئة، ولكنه لا يفعل لخروجه عن الحكمة ؛ اتهى، وهذا قول المعتزلة.
وقال القاضي : والإلجاء أن يعلمهم أنهم لو حاولوا غير الإيمان لمنعهم منه، وحينئذ يمتنعون من فعل شيء غير الإيمان، وهو تعالى إنما ترك فعل هذا الإلجاء لأن ذلك يزيل تكليفهم، فيكون ما وقع منهم كأن لم يقع، وإنما أراد تعالى أن ينتفعوا بما يختارونه من قبل أنفسهم من جهة الوصلة به إلى الثواب، وذلك لا يكون إلا اختياراً، وأجاب أبو عبد الله الرازي بأنه تعالى أراد منهم الإقدام على الإيمان حال كون الداعي إلى الإيمان وإلى الكفر بالسوية، أو حال حصول هذا الرجحان، والأول تكليف ما لا يطاق لأن الأمر بتحصيل الرجحان حال حصول الاستواء تكليف بالجمع بين النقيضين وهو محال، وإن كان الثاني فالطرف الراجح يكون واجب الوقوع، والطرف المرجوح يكون ممتنع الوقوع، وكل هذه الأقسام تنافي ما ذكروه من المكنة والاختيارات، فسقط قولهم بالكلية.
( فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ( تقدم قول ابن عطية في أن تأسف وتحزن على أمر أراده الله تعالى، وأمضاه، وعلم المصلحة فيه.
وقال أيضاً : و ) مِنَ الْجَاهِلِينَ ( يحتمل في أن لا تعلم أن الله ) لَوْ شَاء لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ( ويحتمل في أن تهتم بوجود كفرهم الذي قدره الله وأراده، وتذهب بك نفسك إلى ما لم يقدر الله، انتهى. وضعف الاحتمال الأول بأنّه ( ﷺ ) ) مع كمال ذاته وتوفر معلوماته وعظيم اطّلاعه على ما يليق بقدرة الحقّ جلّ جلاله، واستيلائه على جميع مقدوراته، لا ينبغي أن يوصف بأنه جاهل بأنه تعالى لو شاء لجمعهم على الهدى، لأن هذا من قبيل الدين والعقائد، فلا يجوز أن يكون جاهلاً بها، وكأن الزمخشري قد فسر قوله :) وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ( بأن تأتيهم آية ملجئة، ولكنه لا يفعل لخروجه عن الحكمة فقال في قوله :) فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ( من الذين يجهلون ذلك ويرومون ما هو خلافه. وأشار بذلك إلى الإتيان بالآية الملجئة إلى الإيمان وتقدم الكلام في الإلجاء.
وقيل : لا تجهل أنه يؤمن بك بعضهم ويكفر بعضهم، وضعف بأن هذا ليس مما يجهله ( ﷺ ) ).
وقيل لا تكوننّ ممن لا صبر له لأن قلة الصبر


الصفحة التالية
Icon