" صفحة رقم ١٢٦ "
ومنهم من يعدو عَدْوَ الذئب، ومنهم من ينبج نباج الكلاب، ومنهم من يتطوس كفعل الطاووس، ومنهم من يشره شره الخنزير.
وفي رواية منهم من يشبه الخنزير إذا ألقي إليه الطعام الطيب تركه وإذا قام الرجل من رجيعه ولغ فيه. وكذلك تجد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمة لم يحفظ منها واحدة. فإن أخطأت واحدة حفظها ولم يجلس مجلساً رواها عنك ) مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَىْء ( أي ما تركنا وما أغفلنا والكتاب اللوح المحفوظ. والمعنى وما أغفلنا فيه من شيء لم نكتبه ولم نثبت ما وجب أن يثبت، قاله الزمخشري ولم يذكر غيره، أو القرآن وهو الذي يقتضيه سياق الآية والمعنى. وبدأ به عن ابن عطية وذكر اللوح المحفوظ، فعلي هذا يكون قوله : من شيء على عمومه، وعلى القول الأول يكون من العام الذي يراد به الخاص فالمعنى من شيء يدعو إلى معرفة الله وتكاليفه، وكثيراً ما يستدل بعض الظاهرية بقوله :) مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَىْء ( يشير إلى أن الكتاب تضمن الأحكام التكليفية كلها، والتفريط التقصير فحقه أن يتعدى بفي كقوله ) عَلَى مَا فَرَّطَتُ فِى جَنبِ اللَّهِ ( وإذا كان كذلك فيكون قد ضمن ما أغفلنا وما تركنا ويكون ) مِن شَىْء ( في موضع المفعول به و ) مِنْ ( زائدة، والمعنى : ما تركنا وما أغفلنا في الكتاب شيئاً يحتاج إليه من دلائل الإلهية والتكاليف، ويبعد جعل من هنا تبعيضية وأن يكون التقدير ما فرطنا في الكتاب بعض شيء يحتاج إليه المكلف، وإن قاله بعضهم. وجعل أبو البقاء هنا من شيء واقعاً موقع المصدر، أي تفريطاً. قال : وعلى هذا التأويل لا يبقى في الآية حجة لمن ظن أنّ الكتاب يحتوي على ذكر كل شيء تصريحاً ونظير ذلك لا يضركم كيدهم شيئاً أي ضرراً انتهى. وما ذكره من أنه لا يبقى على هذا التأويل حجة لمن ذكر ليس كما ذكر لأنه إذا تسلط النفي على المصدر منفياً على جهة العموم، ويلزم من نفي هذا العموم نفي أنواع المصدر ونوع مشخصاته، ونظير ذلك لا قيام فهذا نفي عام فينتفي منه جميع أنواع القيام ومشخاصته كقيام زيد وقيام عمرو وما أشبه ذلك فإذا نفى التفريط على طريقة العموم كان ذلك نفياً لجميع أنواع التفريط ومشخصاته ومتعلقاته، فيلزم من ذلك أن الكتاب يحتوي على ذكر كل شيء. وقرأ الأعرج وعلقمة ) مَّا فَرَّطْنَا ( بتحفيف الراء والمعنى واحد. وقال النقاش : معنى ) فَرَّطْنَا ( مخففة، أخرنا كما قالوا : فرط الله عنك المرض أي أزاله.
( ثُمَّ إِلَى رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ ( الظاهر في الضمير أنه عائد على ما تقدم وهو الأمم كلها من الطير والدواب. وقال قوم : هو عائد على الكفار لا على أمم وما تخلل بينهما كلام معترض وإقامة وحجج ويرجح هذا القول كونه جاء بهم وبالواو التي هي للعقلاء، ولو كان عائداً على أمم الطير والدواب لكان التركيب ثم إلى ربها تحشر ويجاب عن هذا بأنها لما كانت ممتثلة ما أراد الله منها، أجريت مجرى العقلاء وأصل الحشر الجمع ومنه فحشر فنادى والظاهر أنه يراد به البعث يوم القيامة وهو قول الجمهور، فتحشر البهائم والدواب والطير وفي ذلك حدّيث يرويه يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال : يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة البهائم والدواب والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل الله عز وجل يومئذ أن يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول : كوني تراباً فذلك قوله تعالى :) وَيَقُولُ الْكَافِرُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِى كُنتُ تُراباً ). وقال ابن عباس والحسن في آخرين : حشر الدواب موتها لأن الدواب لا تكليف عليها ولا ترجو


الصفحة التالية
Icon