" صفحة رقم ٤٧٤ "
وكان الضمير ظاهره العود على المؤمنين ناداهم وحرّكهم إلى طاعة الله ورسوله والظاهر أنه نداء وخطاب للمؤمنين الخلّص حثّهم بالأمر على طاعة الله ورسوله ولما كانت الآية قبلها مسوقة في أمر الجهاد. قيل معنى أطيعوه فيما يدعوكم إليه من الجهاد، وقيل في امتثال الأمر والنهي وأفردهم بالأمر رفعاً لأقدارهم وإن كان غيرهم مأموراً بطاعة الله ورسوله وهذا قول الجمهور، وأما من قال إنّ قوله وإن تنتهوا خطاب للكفار فيرى أن هذه الآية نزلت بسبب اختلافهم في النفل ومجادلتهم في الحق وتفاخرهم بقتل الكفار والنكاية فيهم وأبعد من ذهب إلى أنه نداء وخطاب للمنافقين أي يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم وهذا لا يناسب لأنّ وصفهم بالإيمان وهو التصديق وليس المنافقون من التصديق في شيء وأبعد من ذهب إلى أنه نداء وخطاب لبني إسرائيل لأنه أيضاً يكون أجنبياً من الآيات وأصل ولا تولوا ولا تتولوا، وتقدّم الخلاف في حرف التاء في نحو هذا أهي حرف المضارعة أم تاء تفعل والضمير في عنه قال الزمخشري لرسول الله لأنّ المعنى وأطيعوا رسول الله كقوله والله ورسوله أحق أن ترضوه ولأن طاعة الرسول وطاعة الله شيء واحد من يطع الرسول فقد أطاع الله فكان رجوع الضمير إلى أحدهما كرجوعه إليهما كقولك الإحسان والإجمال لا ينفع في فلان ويجوز أن يرجع إلى الأمر بالطاعة ولا تولوا عن هذا الأمر وامتثاله وأنتم تسمعونه أو ولا تتولوا عن رسول الله ولا تخالفوه وأنتم تسمعون أي تصدّقون لأنكم مؤمنون لستم كالصمّ المكذبين من الكفرة انتهى، وإنما عاد على الرسول لأنّ التولي إنما يصح في حقّ الرسول بأن يعرضوا عنه وهذا على أن يكون التولي حقيقة وإذا عاد على الأمر كان مجازاً، وقيل هو عائد على الطاعة، وقيل هو عائد على الله، وقال الكرماني ما معناه إنه لما لم يطلق لفظ التثنية على الله وحده لم يجمع بينه تعالى وبين غيره في ضميرها بخلاف الجمع فإنه أطلق على لفظة تعظيماً فجمع بينه وبين غيره في ضميره ولهذا نظائر في القرآن منها إذا دعاكم ومنها أن يرضوه ففي الحديث ذمّ من جمع في التثنية بينهما في الضمير وتعليمه أن يقول : ومن عصى الله ورسوله وأنتم تسمعون جملة حالية أي لا يناسب سماعكم التولي ولا يجامعه وفي متعلقه أقوال : أحدها وعظ الله لكم، الثاني : الأمر والنهي، الثالث : التعبير بالسماع عن العقل والفهم، الرابع : التعبير عن التصديق وهو الإيمان.
الأنفال :( ٢١ ) ولا تكونوا كالذين.....
( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُواْ سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ( نهي عن أن يكونوا كالذين ادّعوا السماع والمشبّه بهم اليهود أو المنافقون أو المشركون أو الذين قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا، أو بنو عبد الدار بن قصيّ ولم يسلم منهم إلا رجلان مصعب بن عمير وسويد بن حرملة أو النضر بن الحارث ومن تابعه ستة أقوال، ولما لم يجد سماعهم ولا أثر فيهم نفى عنهم السّماع لانتفاء ثمرته إذ ثمرة سماع الوحي تصديقه والإيمان به والمعنى أنكم تصدّقون بالقرآن والنبوة فإذا صدر منكم تولِّ عن الطاعة كان تصديقكم كلا تصديق فأشبه سماعكم سماع من لا يصدق، وجاءت الجملة النافية على غير لفظ المثبتة إذ لم تأتِ وهم ما سمعوا لأنّ لفظ المضي لا يدلّ على استمرار الحال ولا ديمومته بخلاف نفي المضارع فكما يدل إثباته على الدّيمومة في قولهم هو يعطي ويمنع كذلك يجيء نفيه وجاء حرف النفي لا لأنها أوسع في نفس المضارع من ما وأدلّ على انتفاء السماع في المستقبل أي هم ممن لا يقبل أن يسمع.
الأنفال :( ٢٢ ) إن شر الدواب.....
( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ( لما أخبر تعالى إنّ هؤلاء المشبّه بهم لا يسمعون أخبر أنّ شرّ الحيوان الذي يدبّ الصمّ أو أن شرّ البهائم فجمع بين هؤلاء وبين جمع الدواب وأخبر أنهم شرّ الحيوان مطلقاً ومعنى الصم عن ما يلقى إليهم من القرآن البَكم عن الإقرار بالإيمان وما فيه نجاتهم ثم جاء بانتفاء الوصف المنتج لهم الصمم والبكم الناشئين عنه وهو العقل وكان الابتداء بالصمم لأنه ناشىء عنه البكم إذ يلزم أن يكون كلّ أصم خلقه أبكم لأنّ الكلام إنما يتلقنه ويتعلمه من كان سالم حاسة السمع وهذا مطابق لقوله تعالى صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون إلا أنه زاد في هذا وصف العمى وكلّ هذه الأوصاف كناية عن انتفاء قبولهم للإيمان وإعراضهم عما جاء به الرسول ( ﷺ ) ) وظاهر هذه الأخبار


الصفحة التالية
Icon