" صفحة رقم ٤٧٧ "
القتال بعد الأمر به بقوله استجيبوا ويكشف حقيقته قوله ( ﷺ ) ) :( قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلّبه كيف يشاء وتأويله بين أثرين من آثار ربوبيته ). وقيل : يحول بين المؤمن وبين المعاصي التي يهمّ بها قلبه بالعصمة، وقيل : معناه أنه يطلع على كل ما يخطر المرء بباله لا يخفى عليه شيء من ضمائره فكأنه بينه وبين قلبه واختار الطبري أن يكون المعنى أنّ الله أخبر أنه أملك لقلوب العباد منهم وأنه يحول بينهم وبينهما إذا شاء حتى لا يدرك الإنسان شيئاً إلا بمشيئته تعالى، وقرأ ابن أبي إسحاق : بين المرء بكسر الميم اتباعاً لحركة الإعراب إذ في المرء لغتان : فتح الميم مطلقاً واتباعها حركة الإعراب، وقرأ الحسن والزهري : بين المرّ بتشديد الراء من غير همز ووجهه أنه نقل حركة الهمزة إلى الراء وحذف الهمزة ثم شدّدها كما تشدّد في الوقف وأجرى الوصل مجرى الوقف وكثيراً ما تفعل العرب ذلك تُجري الوصل مجرى الوقف، وهذا توجيه شذوذ وأنه إليه تحشرون الظاهر أن الضمير في أنه عائد إلى الله ويحتمل أن يكون ضمير الشأن ولما أمرهم بأن يعلموا قدرة الله وحيلولته بين المرء ومقاصد قلبه أعلمهم بأنه تعالى إليه يحشرهم فيثيبهم على أعمالهم فكان في ذلك تذكار لما يؤول إليه أمرهم من البعث والجزاء بالثواب والعقاب.
الأنفال :( ٢٥ ) واتقوا فتنة لا.....
( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً ( هذا الخطاب ظاهره العموم باتقاء الفتنة التي لا تختصّ بالظالم بل تعمّ الصالح والطالح وكذلك روي عن ابن عباس قال : أمر المؤمنين أن لا يقرُّوا المنكر بين أظهرهم فيعمّهم الله بالعذاب ففي البخاري والترمذي أن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده، وفي مسلم من حديث زينب بنت جحش سألت رسول الله ( ﷺ ) ) أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث، وقيل الخطاب للصحابة، وقيل لأهل بدر، وقيل لعلي وعمار وطلحة والزبير، وقيل لرجلين من قريش قاله أبو صالح عن ابن عباس ولم يسمّهما والفتنة هنا القتال في وقعة الجمل أو الضلالة أو عدم إنكار المنكر أو بالأموال والأولاد أو بظهور البدع أو العقوبة أقوال، وقال الزبير بن العوام يوم الجمل : ما علمت أنا أُردنا بهذه الآية إلا اليوم وما كنت أظنها إلا فيمن خوطب بها في ذلك الوقت والجملة من قوله لا تصيبن خبريّة صفة لقوله فتنة أي غير مصيبة الظالم خاصة إلا أن دخول نون التوكيد على المنفى بلا مختلف فيه، فالجمهور لا يجيزونه ويحملون ما جاء منه على الضرورة أو الندور والذي نختاره الجواز وإليه ذهب بعض النحويين وإذا كان قد جاء لحاقها الفعل مبنياً بلا مع الفصل نحو قوله : فلاذا نعيم يتركن لنعيمه
وإن قال قرظني وخذ رشوة أبي ولا ذا بئيسن يتركن لبؤسه فينفعه شكوى إليه إن اشتكى
فلان يلحقه مع غير الفصل أولى نحو لا تصيبنّ وزعم الزمخشري أنّ الجملة صفة وهي نهي قال وكذلك إذا جعلته صفة على إرادة القول كأنه قيل واتقوا فتنة مقولاً فيها لا تصيبنّ ونظيره قوله :


الصفحة التالية
Icon