" صفحة رقم ٤٧٩ "
وجواب أمر على تقديرين وصفة. قال الزمخشري، ( فإن قلت ) : كيف جاز أن تدخل النون المؤكدة في جواب الأمر، ( قلت ) : لأن فيه معنى التمني إذا قلت إنزل عن الدابة لا تطرحك فلذلك جاز لا تطرحنك ولا تصيبن ولا يحطمنكم انتهى، وإذا قلت لا تطرحك وجعلته جواباً لقولك إنزل وليس فيه نهي بل نفي محض جواب الأمر نفي بلا وجزمه على الجواب على الخلاف الذي في جواب الأمر والستة معه هل ثم شرط محذوف دل عليه الأمر وما ذكر معه معنى الشرط وإذا فرعنا على مذهب الجمهور في أن الفعل المنفي بلا لا تدخل عليه النون للتوكيد لم يجز أنزل عن الدابة لا تطرحنّك، وقال الزمخشري، ( فإن قلت ) : ما معنى من في قوله الذين ظلموا منكم خاصّة، ( قلت ) : التبعيض على الوجه الأول فالتبيين على الثاني لأن المعنى لا تصيبكم خاصة على ظلمكم لأن الظلم منكم أقبح من سائر الناس انتهى، ويعني بالأول أن يكون جواباً بعد أمر وبالثاني أن يكون نهياً بعد أمر وخاصة أصله أن يكون نعتاً لمصدر محذوف أي إصابة خاصة وهي حال من الفاعل المستكن في لا تصيبنّ ويحتمل أن يكون حالاً من الذين ظلموا أي مخصوصين بها بل تعمهم وغيرهم، وقال ابن عطية ويحتمل أن تكون خاصة حالاً من الضمير في ظلموا ولا أتعقل هذا الوجه.
( وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( هذا وعيد شديد مناسب لقوله لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة إذ فيه حثّ على لزوم الاستقامة خوفاً من عقاب الله لا يقال كيف يوصل الرحيم الكريم الفتنة والعذاب لمن لم يذنب، ( قلت ) : لأنه تصرّف بحكم الملك كما قد ينزل الفقر والمرض بعبده ابتداءً فيحسن ذلك منه أو لأنه علم اشتمال ذلك على مزيد ثواب لمن أوقع به ذلك.
الأنفال :( ٢٦ ) واذكروا إذ أنتم.....
( وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِى الاْرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مّنَ الطَّيّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( نزلت عقب بدر، فقيل خطاب للمهاجرين خاصة كانوا بمكة قليلي العدد مقهورين فيها يخافون أن يسلبهم المشركون، قال ابن عباس فآتوا هم بالمدينة وأيدهم بالنصر يوم بدر والطيبات الغنائم وما فتح به عليهم، وقيل الخطاب للرسول والصحابة وهي حالهم يوم بدر والطيبات الغنائم والناس عسكر مكة وسائر القبائل المجاورة والتأييد هو الإمداد بالملائكة والتغلب على العدد، وقال وهب وقتادة الخطاب للعرب قاطبة فإنها كانت أعرى الناس أجساماً وأجوعهم بطوناً وأقلّهم حالاً حسنة والناس فارس والروم والمأوى النبوة والشريعة والتأييد بالنصر فتح البلاد وغلبة الملوك والطيبات تعم المآكل والمشارب والملابس، قال ابن عطية : هذا التأويل يردّه أن العرب كانت في وقت نزول هذه الآية كافرة إلا القليل ولم تترتب الأحوال التي ذكر هذا المتأول وإنما كان يمكن أن يخاطب العرب بهذه الآية في آخر زمان عمر رضي الله عنه فإن تمثّل أحد بهذه الآية بحال العرب فتمثيله صحيح وإما أن يكون حالة العرب هي سبب نزول الآية فبعيد لما ذكرناه انتهى، وهذه الآية تعديل لنعمه تعالى عليهم، قال الزمخشري : إذ أنتم نصب على أنه مفعول به لاذكروا ظرف أي اذكروا وقت كونكم أقِلّة أذِلّة انتهى، وفيه التصرّف في إذ بنصبها مفعولة وهي من الظروف التي لا تتصرّف إلا بأن أضيف إليها الأزمان، وقال ابن عطية : وإذ ظرف لمعمول واذكروا تقديره واذكروا حالكم الكائنة أو الثابتة إذ أنتم قليل ولا يجوز أن تكون إذ ظرفاً ل ( ذكروا )


الصفحة التالية
Icon