" صفحة رقم ٤٨٣ "
وأحبار اليهود الذين قال الله تعالى فيهم : فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، وقول الرسول ( ﷺ ) ) لهم والله إنكم لتعلمون أني رسول الله أو كلام يقاربه واقتراحهم هذين النوعين هو على ما جرى عليه اقتراح الأمم السالفة، وسأل يهودي ابن عباس ممن أنت قال من قريش فقال أنت من الذين قالوا إن كان هذا هو الحق من عندك الآية، فهلا قالوا فاهدنا إليه، فقال ابن عباس فأنت يا إسرائيلي من الذين لم تجفَّ أرجلهم من بلل البحر الذي أغرق فيه فرعون وقومه ونجا موسى وقومه حتى قالوا اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة فقال له موسى إنكم قوم تجهلون فأطرق اليهودي مفحماً، وعن معاوية أنه قال لرجل من سبأ ما أجهل قومك حين ملّكوا عليهم امرأة فقال أجهل من قومي قومك قالوا لرسول الله ( ﷺ ) ) حين دعاهم إلى الحقّ إن كان هذا هو الحق الآية، ولم يقولوا : فاهدنا له.
الأنفال :( ٣٣ ) وما كان الله.....
( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ( نزلت هذه إلى يعلمون بمكة، وقيل بعد وقعة بدر حكاية عما حصل فيها. وقال ابن ابزي : الجملة الأولى بمكة إثر قوله بعذاب أليم، والثانية عند خروجه من مكة في طريقه إلى المدينة وقد بقي بمكة مؤمنون يستغفرون، والثالثة بعد بدر عند ظهور العذاب عليهم ولما علقوا أمطار الحجارة أو الإتيان بعذاب أليم على تقدير كينونة ما جاء به الرسول ( ﷺ ) ) حقاً أخبر تعالى أنهم مستحقو العذاب لكنه لا يعذبهم وأنت فيهم إكراماً له وجرياً على عادته تعالى مع مكذّبي أنبيائه أن لا يعذبهم وأنبياؤهم مقيمون فيهم عذاباً يستأصلهم فيه، قال ابن عباس لم تعذّب أمة قط ونبيها فيها وعليه جماعة المتأولين فالمعنى فما كانت لتعذب أمتك وأنت فيهم بل كرامتك عند ربك أعظم وقال تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ومن رحمته تعالى أن لا يعذّبهم والرسول فيهما ولما كان الإمطار للحجارة عليهم مندرجاً تحت العذاب كان النفي متسلّطاً على العذاب الذي إمطار الحجارة نوع منه فقال تعالى وما كان الله ليعذبهم ولم يجيء التركيب، وما كان الله ليمطر أوليائي بعذاب وتقييد نفي العذاب بكينونة الرسول فيهم إعلام بأنه إذا لم يكن فيهم وفارقهم عذّبهم ولكنه لم يعذبهم إكراماً له مع كونهم بصدد من يعذب لتكذيبهم. قال ابن عطية عن أبي زيد : سمعت من العرب من يقول وما كان الله ليعذبهم بفتح اللام وهي لغة غير معروفة ولا مستعملة في القرآن انتهى، وبفتح اللام في ليعذبهم قرأ أبو السّمال، وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو بالفتح في لام الأمر في قوله فلينظر الإنسان إلى طعامه، وروى ابن مجاهد عن أبي زيد أن من العرب من يفتح كلّ لام إلا في نحو : الحمد لله انتهى، يعني لام الجرّ إذا دخلت على الظاهر أو على ياء المتكلم والظرفية في فيهم مجاز والمعنى : وأنت مقيم بينهم غير راجل عنهم.
( وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ). أنظر إلى حُسن مساق هاتين الجملتين لما كانت كينونته فيهم سبباً لانتفاء تعذيبهم أكّد خبر كان باللام على رأي الكوفيين أو جعل خبر كان الإرادة المنفية على رأي البصريين وانتفاء الإرادة للعذاب أبلغ من انتفاء العذاب ولما كان استغفارهم دون تلك الكينونة الشريفة لم يؤكد باللام بل جاء خبر كان قوله معذبهم، فشتّان ما بين استغفارهم وكينونته ( ﷺ ) ) فيهم والظاهر أن هذه الضمائر كلها في الجمل عائدة على الكفار وهو قول قتادة، وقال ابن عباس وابن أبزي وأبو مالك والضحاك ما مقتضاه : إن الضمير في قوله معذّبهم عائد على كفار مكة والضمير في قوله وهم عائد على المؤمنين الذين بقوا بعد الرسول ( ﷺ ) ) بمكة أي وما كان الله ليعذب الكفار