" صفحة رقم ٥١٦ "
وقع العتاب في الميل للفداء ثم أقرّه الرسول وانتصب حلالاً على الحال من ما إن كانت موصولة أو من ضميره المحذوف أو على أنه نعت لمصدر محذوف أي أكلاً حلالاً وجوّزوا في ما إن تكون مصدرية وروي أنهم أمسكوا عن الغنائم ولم يمدّوا أيديهم إليها فنزلت، وجعل الزمخشري قوله فكلوا متسبّباً عن جملة محذوفة هي سبب وأفادت ذلك الفاء وقدّرها قد أبحت لكم الغنائم فكلوا، وقال الزجاج الفاء للجزاء والمعنى قد أحللت لكم الفداء فلكوا وأمر تعالى بتقواه لأن التقوى حاملة على امتثال أمر الله وعدم الإقدام على ما لم يتقدّم فيه إذن ففيه تحريض على التقوى من مال إلى الفداء ثم جاءت الصفتان مشعرتين بغفران الله ورحمته عن الذين مالوا إلى الفداء قبل الإذن، وقال الزمخشري : معناه إذا اتقيتموه بعدما فرط منكم من استباحة الفداء قبل أن يؤذن لكم فيه غفر لكم ورحمكم وتاب عليكم، وقال ابن عطية : وجاء قوله واتقوا الله اعتراضاً فصيحاً في أثناء القول لأن قوله إن الله غفور رحيم هو متصل بقوله فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً، وقيل غفور لما أتيتم رحيم بإحلال ما غنمتم.
٢ (
الأنفال :( ٧٠ ) يا أيها النبي.....
( يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لِّمَن فِىأَيْدِيكُم مِّنَ الاٌّ سْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( ) ) ٢
) رَّحِيمٌ يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لّمَن فِى أَيْدِيكُم مّنَ الاْسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ).
نزلت هذه الآية عقيب بدر في أسرى بدر أعلموا أنّ لهم ميلاً إلى الإسلام وأنهم يؤملونه إن فدوا ورجعوا إلى قومهم، وقيل في عباس وأصحابه قالوا للرسول : آمنا بما جئت ونشهد أنك روسل الله لننصحن لك على قومنا ومعنى في أيديكم أي ملكتكم كان الأيدي قابضة عليهم والصحيح أن الأسارى كانوا سبعين والقتلى سبعين كما ثبت في صحيح مسلم وهو قول ابن عباس وابن المسيب وأبي عمرو بن العلاء، وكان عليهم حين جيء بهم إلى المدينة شقران مولى رسول الله ( ﷺ ) )، وقال مالك : كانوا مشركين ومنهم العباس بن عبد المطلب أسره أبو اليسر كعب بن عمرو أخو بني سلمة وكان قصيراً والعباس ضخم طويل فلما جاء به قال الرسول ( ﷺ ) ) : لقد أعانك عليه ملك وعن العباس كنت مسلماً ولكنهم استكرهوني فقال رسول الله ( ﷺ ) ) : إن يكن ما تقول حقًّا فالله يجريك فأما ظاهر أمرك فقد كنت علينا وكان أحد الذين ضمنوا إطعام أهل بدر وخرج بالذهب لذلك، وروي أن رسول الله ( ﷺ ) ) قال للعباس لهند ابني أخيك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحرث، فقال يا محمد تركتني أتكفف قريشاً ما بقيت، فقال له : أين المال الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك من مكة وقلت لها : لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا فإن حدث بي حدث فهو لك ولعبد الله وعبيد الله والفضل، فقال العباس : وما يدريك قال : أخبرني به ربي، قال العباس : فأنا أشهد أنك صادق وأن لا إله إلا الله وأنت عبده ورسوله، والله لم يطلع عليه أحد إلا الله ولقد دفعته إليها في سواد الليل ولقد كنت مرتاباً في أمرك فأما إذا أخبرتني بذلك فلا ريب، قال العباس فأبدلني الله خيراً من ذلك لي الآن عشرون عبداً إنّ أدناهم ليضرب في عشرين ألفاً وأعطاني زمزم ما أحب أن لي بها جميع أموال مكة وأنا أنتظر المغفرة من ربي، وروي أنه قدم على رسول الله ( ﷺ ) ) مال البحرين ثمانون ألفاً فتوضّأ لصلاة الظهر وما صل حتى فرّقه وأمر العباس أن يأخذ منه فأخذ ما قدر على حمله وكان يقول : هذا خير مما أخذ مني وأرجو المغفرة ومعنى إنْ يعلم الله أنْ يتبين للناس علم الله في قلوبكم خيراً أي إسلاماً كما زعمتم بأن تظهروا الإسلام فإنه سيعطيكم أفضل مما أخذ منكم بالفداء وسيغفر لكم ما اجترحتموه فإن الإسلام يحب ما قبله، وقرأ الجمهور من الأسرى وابن محيصن من أسرى منكراً وقتادة وأبو جعفر وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم وأبو عمرو من السبعة من الأسارى واختلف عن الحسن وعن الجحدري، وقرأ الأعمش يثبكم خيراً من الثواب، وقرأ الحسن وأبو حيوة وشيبة وحميد مما أخذ مبنياً للفاعل، وإيتاء هذا الخير، قيل في الدنيا وقيل في الآخرة، وقيل فيهما والظاهر أن الضمير في وإن يريدوا على الأسرى لأنه أقرب مذكور،
الأنفال :( ٧١ ) وإن يريدوا خيانتك.....
والخيانة هي كونهم أظهر الإسلام بعضهم ثم ردّوا إلى دينهم فقد خانوا الله