" صفحة رقم ٨٥ "
تكون بمعنى الذي وجوّزوا أن تكون ) مَا ( مصدرية، والظاهر أن الضمير في ) مِنْهُمْ ( عائد على الرسل، أي ) فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ ( من الرسل وجوز الحوفي وأبو البقاء أن يكون عائداً على غير الرسل. قال الحوفي : في أمم الرسل. وقال أبو البقاء : على المستهزئين، ويكون ) مِنْهُمْ ( حالاً من ضمير الفاعل في ) سَخِرُواْ ( وما قالاه وجوزاه ليس بجيد، أما قول الحوفي فإن الضمير يعود على غير مذكور وهو خلاف الأصل، وأما قول أبي البقاء فهو أبعد لأنه يصير المعنى :) فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ ( كائنين من المستهزئين فلا حاجة لهذه الحال لأنها مفهومة من قوله ) سَخِرُواْ ( وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة بكسر دال ) وَلَقَدِ اسْتُهْزِىء ( على أصل التقاء الساكنين. وقرأ باقي السبعة بالضم اتباعاً ومراعاة لضم التاء إذ الحاجز بينهما ساكن، وهو حاجز غير حصين.
الأنعام :( ١١ ) قل سيروا في.....
( قُلْ سِيرُواْ فِى الاْرْضِ ثُمَّ انْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ ( لما ذكر تعالى ما حل بالمكذبين المستهزئين وكان المخاطبون بذلك أمّة أمّية، لم تدرس الكتب ولم تجالس العلماء فلها أن تظافر في الإخبار بهلاك من أهلك بذنوبهم أمروا بالسير في الأرض، والنظر فيما حل بالمكذبين ليعتبروا بذلك وتتظافر مع الإخبار الصادق الحس فللرؤية من مزيد الاعتبار ما لا يكون كما قال بعض العصريين : لطائف معنى في العيان ولم تكن
لتدرك إلا بالتزاور واللقا
والظاهر أن السير المأمور به، هو الانتقال من مكان إلى مكان وإن النظر المأمور به، هو نظر العين وإن الأرض هي ما قرب من بلادهم من ديار الهالكين بذنوبهم كأرض عاد ومدين ومدائن قوم لوط وثمود. وقال قوم : السير والنظر هنا ليسا حسيين بل هما جولان الفكر والعقل في أحوال من مضى من الأمم التي كذبت رسلها، ولذلك قال الحسن : سيروا في الأرض لقراءة القرآن أي : اقرؤوا القرآن وانظروا ما آل إليه أمر المكذبين، واستعارة السير ) فِى الاْرْضِ ( لقراءة القرآن فيه بعد، وقال قوم :) الاْرْضِ ( هنا عام، لأن في كل قطر منها آثاراً لهالكين وعبراً للناظرين وجاء هنا خاصة ) ثُمَّ انْظُرُواْ ( بحرف المهلة وفيما سوى ذلك بالفاء التي هي للتعقيب. وقال الزمخشري : في الفرق جعل النظر متسبباً عن السير فكان السير سبباً للنظر، ثم قال : فكأنه قيل :) سِيرُواْ ( لأجل النظر ولا تسيروا سير الغافلين، وهنا معناه إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع، وإيجاب النظر في آثار الهالكين ونبه على ذلك ب ) ثُمَّ ( لتباعد ما بين الواجب والمباح، انتهى.
وما ذكره أولاً متناقض لأنه جعل النظر متسبباً عن السير، فكان السير سبباً للنظر ثم قال : فكأنما قيل :) سِيرُواْ ( لأجل النظر فجعل السير معلولاً بالنظر فالنظر سبب له فتناقضا، ودعوى أن الفاء تكون سببية لا دليل عليها وإنما معناها التعقيب فقط وأما مثل ضربت زيداً فبكى وزنى ماعز فرجم، فالتسبيب فهم من مضمون الجملة لأن الفاء موضوعة له وإنما يفيد تعقيب الضرب بالبكاء وتعقيب الزنا بالرجم فقط، وعلى تسليم أن الفاء تفيد التسبيب فلم كان السير هنا سير إباحة وفي غيره سير واجب ؟ فيحتاج ذلك إلى فرق بين هذا الموضع وبين تلك المواضع.
٢ ( ) قُل لِّمَن مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِى الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( ) ) ٢
الأنعام :( ١٢ ) قل لمن ما.....
( قُل لّمَن مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ قُل لِلَّهِ ( لما ذكر تعالى تصريفه فيمن أهلكهم بذنوبهم، أمر نبيه ( ﷺ ) ) بسؤالهم ذلك فإنه لا يمكنهم أن يقولوا إلا أن