" صفحة رقم ٩٧ "
ذكر أشياء ثم قال أهل الكتاب ) يَعْرِفُونَهُ ( أي يعرفون ما قلنا وما قصصنا. وقيل : يعود على كتابهم أي : يعرفون كتابهم وفيه ذكر نبوة محمد ( ﷺ ) ). وقيل : يعود على الدين والرسول فالمعنى يعرفون الإسلام أنه دين الله وأن محمد رسول الله و ) الَّذِينَ ءاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ( هنا لفظه علم ويراد به الخاص، فإن هذا لا يعرفه ولا يقربه إلا من آمن منهم أو من أنصف و ) الْكِتَابِ ( التوراة والإنجيل ووحد رداً إلى الجنس. وقيل :) الْكِتَابِ ( هنا القرآن والضمير في ) يَعْرِفُونَهُ ( عائد عليه ذكره الماوردي. وقال أبو عبد الله الرازي ما ملخصه : إن كان المكتوب في التوراة والإنجيل خروج نبي في آخر الزمان فقط، فلا يتعين أن يكون هو محمداً ( ﷺ ) ) أو معيناً زمانه ومكانه ونسبه وحليته وشكله، فيكونون إذ ذاك عالمين به بالضرورة ولا يجوز الكذب على الجمع العظيم ولأنا نعلم بالضرورة أن كتابهم لم يشتمل على هذه التفاصيل التامة وعلى هذين التقديرين، فكيف يصح أن يقال :) يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ (، وأجاب بأنهم كانوا أهلاً للنظر والاستدلال وكانوا شاهدوا ظهور المعجزات على يد الرسول فعرفوا بالمعجزات كونه رسولاً من عند الله، فالمقصود تشبيه معرفته بمعرفة أبنائهم بهذا القدر الذي ذكرناه ؛ انتهى. ولا يلزم ذلك التقسيم الذي ذكره لأنه لم يقل يعرفونه بالتوراة والإنجيل إنما ذكر ) يَعْرِفُونَهُ ( فجاز أن تكون هذه المعرفة مسندة إلى التوراة والإنجيل من أخبار أنبيائهم ونصوصهم، فالتفاصيل عندهم من ذلك لا من التوراة والإنجيل فيكون معرفتهم إياه مفصلة واضحة بالأخبار لا بالنظر في المعجزات ) كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ ( وأيضاً فلا نسلم له حصر التقسيم فيما ذكره لأنه يحتمل قسماً آخر وهو أن يكون التوراة والإنجيل يدلان على خروج نبي في آخر الزمان، وعلى بعض أوصافه لا على جميع الأوصاف التي ذكرت من تعيين زمان ومكان وننسب وحلية وشكل، ويدل على هذا القسم حديث عمر مع عبد الله بن سلام وقوله له : إن الله أنزل على نبيه بمكة إنكم تعرفونه كما تعرفون أبناءكم فكيف هذه المعرفة ؟ فقال عبد الله بن سلام : نعم أعرفه بالصفة التي وصفه الله بها في التوراة ؟ فلا أشك فيه وأما ابني فلا أدري ما أحدثت أمه، ومما يدل أيضاً على أن معرفتهم إياه لا يتعين أن يكون مستندها التوراة والإنجيل فقط، أسئلة عبد الله بن سلام حين اجتمع أول اجتماعه برسول الله ( ﷺ ) ) ما أول ما يأكل أهل الجنة ؟ فحين أخبره بجواب تلك الأسئلة أسلم للوقت وعرف أنه الرسول الذي نبه عليه في التوراة، وحديث زيد بن سعنة حين ذكر أنه عرف جميع أوصافه ( ﷺ ) ) غير أنه لم يعرف أن حلمه يسبق غضبه فجرب ذلك منه، فوجد هذه الصفة فأسلم وأعرب ) الَّذِينَ خَسِرُواْ ( مبتدأ والخبر ) فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ( و ) الَّذِينَ خَسِرُواْ ( على هذا أعم من أهل الكتاب الجاحدين ومن المشركين، والخسران الغبن وروي أن لكل عبد منزلاً في الجنة ومنزلاً في النار، فالمؤمنون ينزلون منازل أهل الكفر في الجنة والكافرون ينزلون منازل أهل الجنة في النار، فالخسارة والربح هنا وجوزوا أن يكون ) الَّذِينَ خَسِرُواْ ( نعتاً لقوله :) الَّذِينَ ءاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ( و ) فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ( جملة معطوفة على جملة فيكون مساق ) الَّذِينَ ءاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ( مساق الذم لا مقام الاستشهاد بهم على كفار قريش وغيرهم من العرب، قالوا : لأنه لا يصح أن يستشهد بهم ويذموا في آية واحدة. وقال ابن عطية : يصح ذلك لاختلاف ما استشهد فيه بهم وما ذموا فيه وأن الذم والاستشهاد من جهة واحدة ؛ انتهى. ويكون ) الَّذِينَ خَسِرُواْ ( إذ ذاك ليس عاماً إذ التقدير الذين خسروا أنفسهم منهم أي من أهل الكتاب.
الأنعام :( ٢١ ) ومن أظلم ممن.....
( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِئَايَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ( تقدم الكلام على ) وَمَنْ أَظْلَمُ ( والافتراء الاختلاف، والمعنى لا أحد أظلم ممن كذب على الله أو كذب بآيات الله. قال الزمخشري : جمعوا بين أمرين متناقضين فكذبوا على الله بما لا حجة عليه، وكذبوا بما ثبت بالحجة البينة والبرهان الصحيح حيث قالوا : لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا، وقالوا : والله أمرنا بها، وقالوا : الملائكة بنات الله وهؤلاء شفعاؤنا عند الله ونسبوا إليه تحريم السوائب والبحائر وكذبوا


الصفحة التالية
Icon