" صفحة رقم ١٢٧ "
الناس. وهذا الوجه أولى من التفسيريه، لأنّ الكوفيين لا يثبتون لأنّ أن تكون تفسيرية. ومن المصدرية المخففة من الثقيلة لتقدير حذف اسمها وإضمار خبرها، وهو القول فيجتمع فيها حذف الاسم والخبر، ولأنّ التأصيل خبر من دعوى الحذف بالتحفيف. وبشر الذين آمنوا أن لهم أي : بأن لهم، وحذفت الباء. وقدم صدق قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، والربيع بن أنس، وابن زيد : هي الأعمال الصالحة من العبادات. وقال الحسن وقتادة : هي شفاعة محمد ( ﷺ ) ). وقال زيد بن أسلم وغيره : هي المصيبة بمحمد ( ﷺ ) ). وقال ابن عباس وغيره : هي السعادة السابقة لهم في اللوح المحفوظ. وقال مقاتل : سابقة خير عند الله قدموها. وإلى هذا المعنى أشار وضاح اليمن في قوله : ما لك وضاح دائم الغزل
ألست تخشى تقارب الأجل
صل لذي العرش واتخذ قدما
ينجيك يوم العثار والزلل
وقال قتادة أيضاً : سلف صدق. وقال عطاء : مقام صدق. وقال يمان : إيمان صدق. وقال الحسن أيضاً : ولد صالح قدموه. وقيل : تقديم الله في البعث لهذه الأمة وفي إدخالهم الجنة، كما قال :( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ) وقيل : تقدم شرف، ومنه قول العجاج : ذل بني العوام من آل الحكم
وتركوا الملك لملك ذي قدم
وقال الزجاج : درجة عالية وعنه منزلة رفيعة. ومنه قول ذي الرمة : لكم قدم لا ينكر الناس أنها
مع الحسب العادي طمت على البحر
وقال الزمخشري : قدم صدق عند ربهم سابقة وفضلاً ومنزلة رفيعة، ولما كان السعي والسبق بالقدم سميت المسعاة الجميلة والسابقة قدماً، كما سميت النعمة يداً، لأنها تعطى باليد وباعاً لأن صاحبها يبوع بها فقيل لفلان : قدم في الخير، وإضافته إلى صدق دلالة على زيادة فضل وأنه من السوابق العظيمة. وقال ابن عطية : والصدق في هذه الآية بمعنى الصلاح، كما تقول : رجل صدق. وعن الأوزاعي : قِدم بكسر القاف تسمية بالمدر، قال : الكافرون. ذهب الطبري إلى أنّ في الكلام حذفاً يدل الظاهر عليه تقديره : فلما أنذر وبشر قال الكافرون كذا وكذا. قال ابن عطية : قال الكافرون : يحتمل أن يكون تفسيراً لقوله : أكان للناس وحينا إلى بشر عجباً قال الكافرون عنه كذا وكذا.
وقرأ الجمهور والعربيان ونافع : لسحر إشارة إلى الوحي، وباقي السبعة، وابن مسعود، وأبو رزين، ومسروق، وابن جبير، ومجاهد، وابن وثاب، وطلحة، والأعمش، وابن محيصن، وابن كثير، وعيسى بن عمرو بخلاف عنهما لساحر إشارة إلى الرسول ( ﷺ ) )، وفي مصحف أبي ما هذا إلا سحر. وقرأ الأعمش أيضاً : ما هذا إلا ساحر. قال ابن عطية : وقولهم في الإنذار والبشارة سحر إنما هو بسبب أنه فرق كلمتهم، وحال بين القريب وقريبه، فأشبه ذلك ما يفعله الساحر، وظنوه من ذلك الباب. وقال الزمخشري : وهذا دليل عجزهم واعترافهم به وإن كانوا كاذبين في تسميته سحراً. ولما كان قولهم فيما لا يمكن أن يكون سحراً ظاهر الفساد، لم يحتج قولهم إلى جواب، لأنهم يعلمون نشأته معهم بمكة وخلطتهم له وما كانت قلة علم، ثم أتى به من الوحي المتضمن ما لم يتضمنه كتاب إلهي من قصص الأولين والأخبار بالغيوب والاشتمال على مصالح الدنيا والآخرة، مع الفصاحة والبراعة التي أعجزتهم إلى غير ذلك من المعاني التي تشمنها يقضي بفساد مقالتهم، وقولهم ذلك هو