" صفحة رقم ١٣٥ "
معطوف على ظلموا أي : لما حصل هذان الأمران : مجيء الرسل بالبينات، وظلمهم أهلكوا.
وقال الزمخشري : والواو في وجاءتهم للحال أي : ظلموا بالتكذيب، وقد جاءتهم رسلهم بالحجج والشواهد على صدقهم وهي المعجزات انتهى. وقال مقاتل : البينات مخوفات العذاب، والظاهر أنّ الضمير في قوله وما كانوا عائداً على القرون، وأنه معطوف على قوله : ظلموا. وجوّز الزمخشري أن يكون اعتراضاً لا معطوفاً قال : واللام لتأكيد النفي بمعنى : وما كانوا يؤمنون حقاً تأكيداً لنفي إيمانهم، وأن الله تعالى قد علم أنهم مصرون على كفرهم، وأنّ الإيمان مستبعد منهم والمعنى : أنّ السبب في إهلاكهم تعذيبهم الرسل، وعلم الله أنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن ألزموا الحجة ببعثة الرسل انتهى. وقال مقاتل : الضمير في قوله : وما كانوا ليؤمنوا، عائد على أهل مكة، فعلى قوله يكون التفاتاً، لأنه خرج من ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة، ويكون متسقاً مع قوله : وإذا تتلى عليهم. والكاف في كذلك في موضع نصب أي : مثل ذلك الجزاء، وهو الإهلاك. نجزي القوم المجرمين فهذا وعيد شديد لمن أجرم، يدخل فيه أهل مكة وغيرهم. وقرأت فرقة : يجزى بالياء، أي يجزى الله، وهو التفات. والخطاب في جعلناكم لمن بعث إليهم رسول الله ( ﷺ ) ). وقيل : خطاب لمشركي مكة، والمعنى : استخلفناكم في الأرض بعد القرون المهلكة للنظر أتعملون خيراً أم شراً فنعاملكم على حسب عملكم. ومعنى لننظر : لنتبين في الوجود ما عملناه أولاً، فالنظر مجاز عن هذا.
قال الزمخشري : فإنْ قلت : كيف جاز النظر على الله تعالى وفيه معنى المقابلة ؟ ( قلت ) : هو مستعار للعلم المحقق الذي هو علم بالشيء موجود، أشبه بنظر الناظر وعيان المعاين في حقيقته انتهى. وفيه دسيسة الاعتزال، وأنه يلزم من النظر المقابلة، وفيه إنكار وصفه تعالى بالبصير ورده إلى معنى العلم. وقيل : لننظر، هو على حذف مضاف أي : لينظر رسلنا وأولياؤنا. وأسند النظر إلى الله مجازاً، وهو لغيره. وقرأ يحيى بن الحرث الزماري : لنظر، بنون واحدة وتشديد الظاء وقال : هكذا رأيته في مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويعني : أنه رآها بنون واحدة، لأن النقط والشكل بالحركات والتشديدات إنما حدث بعد عثمان، ولا يدل كتبه بنون واحدة على حذف النون من اللفظ، ولا على إدغامها في الظاء، لأن أدغام النون في الظاء لا يجوز، ومسوغ حذفها أنه لا أثر لها في الأنف، فينبغي أن تحمل قراءة يحيى على أنه بالغ في إخفاء الغنة، فتوهم السامع أنه إدغام، فنسب ذلك إليه. وكيف معموله لتعملون، والجملة في موضع نصب لننظر، لأنها معلقة. وجاز التعليق في نظر وإن لم يكن من أفعال القلوب، لأنها وصلة فعل القلب الذي هو العلم.
( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءايَاتُنَا بَيّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْءانٍ غَيْرِ هَاذَا أَوْ بَدّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ ( : قال ابن عباس والكلبي : نزلت في المستهزئين بالقرآن من أهل مكة قالوا : يا محمد ائت بقرآن غير هذا فيه، ما نسألك. وقال مجاهد وقتادة : نزلت في جماعة من مشركي مكة. وقال مقاتل : في خمسة نفر : عبد الله بن أمية المخزومي، والوليد بن المغيرة، ومكرز بن حفص، وعمرو بن عبد الله بن


الصفحة التالية
Icon