" صفحة رقم ١٥٢ "
تعجبت من ذلك، إذ كنا نشأنا في جزيرة الأندلس على التبرؤ من ذلك والإنكار له، وأنه إذا بيع كتاب في المنطق إنما يباع خفية، وأنه لا يتجاسر أن ينطق بلفظ المنطق، إنما يسمونه المفعل، حتى أنّ صاحبنا وزير الملك ابن الأحمر أبا عبد الله محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن الحكيم كتب إلينا كتاباً من الأندلس يسألني أن أشتري أو أستنسخ كتاباً لبعض شيوخنا في المنطق، فلم يتجاسر أن ينطق بالمنطق وهو وزير، فسماه في كتابه لي بالمفعل. ولما ألبست وجوههم السواد قال : كأنما أغشيت وجوههم، ولما كانت ظلمة الليل نهاية في السواد شبه سواد وجوههم بقطع من الليل حال اشتداد ظلمته.
وقرأ ابن كثير والكسائي قطعاً بسكون الطاء، وهو مفرد اسم للشيء المقطوع. وقال الأخفش في قوله : بقطع من الليل، بسواد من الليل. وأهل اللغة يقولون : القطع ظلمة آخر الليل. وقال بعضهم : طائفة من الليل. وعلى هذه القراءة يكون قوله : مظلماً صفة لقوله : قطعاً، كما جاء ذلك في قراءة أبي : كأنما تغشى وجوههم قطع من الليل مظلم. وقرأ ابن أبي عبلة كذلك إلا أنه فتح الطاء. وقيل : قطع جمع قطعة، نحو سدر وسدرة، فيجوز إذ ذاك أن يوصف بالمذكر نحو : نخل منقعر، وبالمؤنث نحو نخل خاوية، ويجوز على هذا أن يكون مظلماً حالاً من الليل كما أعربوه في قراءة باقي السبعة، كأنما أغشيت وجوههم قطعاً بتحريك الطاء بالفتح من الليل : مظلماً بالنصب.
قال الزمخشري :( فإن قلت ) : إذا جعلت مظلماً حالاً من الليل، فما العامل فيه ؟ ( قلت ) : لا يخلو إما أن يكون أغشيت، من قبل أنّ من الليل صفة لقوله : قطعاً، فكان إفضاؤه إلى الموصوف كإفضائه إلى الصفة. وإما أن يكون معنى الفعل في من الليل انتهى. أما الوجه الأوّل فهو بعيد، لأنّ الأصل أن يكون العامل في الحال هو العامل في ذي الحال، والعامل في الليل هو مستقر الواصل إليه بمن، وأغشيت عامل في قوله : قطعاً الموصوف بقوله : من الليل، فاختلفا فلذلك كان الوجه الأخير أولى أي : قطعاً مستقرة من الليل، أو كائنة من الليل في حال إظلامه. وقيل : مظلماً حال من قوله : قطعاً، أو صفة. وذكر في هذين التوجيهين لأنّ قطعاً في معنى كثير، فلوحظ فيه الإفراد والتذكير. وجوزوا أيضاً في قراءة من سكن الطاء أن يكون مظلماً حالاً من قطع، وحالاً من الضمير في من. قال ابن عطية : فإذا كان نعتاً يعني : مظلماً نعتاً لقطع، فكان حقه أن يكون قبل الجملة، ولكن قد يجيء بعد هذا، وتقدير الجملة، قطعاً استقر من الليل مظلماً على نحو قوله :) وَهَاذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ( انتهى. ولا يتعين تقدير العامل في المجرور بالفعل فيكون جملة، بل الظاهر أن يقدر باسم الفاعل، فيكون من قبيل الوصف بالمفرد والتقدير : كائناً من الليل مظلماً.
( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ فَكَفَى ( : الضمير في نحشرهم عائد على من تقدم ذكرهم من ) الَّذِينَ أَحْسَنُواْ ( ) وَالَّذِينَ كَسَبُواْ ( وقرأ الحسن وشيبة والقراء السبعة : نحشرهم بالنون، وقرأت فرقة بالياء.