" صفحة رقم ١٨٢ "
انتهى. وهذا أخذه من الفراء. قال الفراء : وإنما قال السحر بالألف واللام، لأن النكرة إذا أعيدت أعيدت بالألف واللام، ولو قال له من رجل لم يقع في وهمه أنه يسأله عن الرجل الذي ذكر له انتهى. وما ذكراه هنا في السحر ليس هو من باب تقدم النكرة، ثم أخبر عنها بعد ذلك، لأن شرط هذا أن يكون المعرّف بالألف واللام هو النكرة المتقدم، ولا يكون غيره كما قال تعالى :) كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ ( وتقول : زارني رجل فأكرمت الرجل، ولما كان إياه جاز أن يأتي بالضمير بدله فتقول : فأكرمته. والسحر هنا ليس هو السحر الذي هو في قوله : أنّ هذا لسحر، لأن الذي أخبروا عنه بأنه سحر هو ما ظهر على يدي موسى عليه السلام من معجزة العصا، والسحر الذي في قول موسى إنما هو سحرهم الذي جاؤوا به، فقد اختلف المدلولان وقالوا هم عن معجزة موسى وقال موسى عما جاؤوا به، ولذلك لا يجوز أن يأتي هنا بالضمير بدل السحر، فيكون عائداً على قولهم السحر. والظاهر أنّ الجمل بعده من كلام موسى عليه السلام. وسيبطله يمحقه، بحيث يذهب أو يظهر بطلانه بإظهار المعجزة على الشعوذة. وقيل : هذه الجمل من كلام الله تعالى. ومعنى بكلماته، بقضاياه السابقة في وعده. وقال ابن سلام : بكلماته بقوله :) لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الاْعْلَى ( وقيل بكلماته بحججه وبراهينه وقرىء بكلمته على التوحيد أي بأمره ومشيئته.
( فَمَا ءامَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرّيَّةٌ مّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مّن فِرْعَوْنَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الاْرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ وَقَالَ مُوسَى ياقَوْمِ إِن كُنتُمْ ءامَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنْتُم مُّسْلِمِينَ فَقَالُواْ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَجّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ( : الظاهر في الفاء من حيث أنّ مدلولها التعقيب أن هذا الإيمان الصادر من الذرية لم يتأخر عن قصة الإلقاء. والظاهر أن الضمير في قومه عائد على موسى، وأنه لا يعود على فرعون، لأنّ موسى هو المحدث عنه في هذه الآية، وهو أقرب مذكور. ولأنه لو كان عائداً على فرعون لم يظهر لفظ فرعون، وكان التركيب على خوف منه. ومن ملاتهم أن يفتنهم، وهذا الإيمان من الذرية كان أول مبعثه إذ قد آمن به بنو إسرائيل قومه كلهم، كان أولاً دعا الآباء فلم يجيبوه خوفاً من فرعون، وإجابته طائفة من أبنائهم مع الخوف. وقال مجاهد والأعمش : معنى الآية أنّ قوماً أدركهم موسى ولم يؤمنوا، وإنما آمن ذراريهم بعد هلاكهم لطول الزمن. قال ابن عطية : وهذا قول غير صحيح، إذا آمن قوم بعد موت آبائهم، فلا معنى لتخصيصهم باسم الذرية. وأيضاً فما روي من أخبار بني إسرائيل لا يعطي هذا، ويفيه قوله : فما آمن، لأنه يعطي تقليل المؤمنين به، لأنه نفي الإيمان ثم أوجبه لبعضه، ولو كان الأكثر مؤمناً لأوجب الإيمان أولاً ثم نفاه عن الأقل، وعلى هذا الوجه يتخرج قول ابن عباس في الذرية : إنه القليل، إلا أنه أراد أنّ لفظ الذرية بمعنى القليل كما ظن مكي


الصفحة التالية
Icon