" صفحة رقم ٢٠٢ "
أنْ نصبت لا تعبدوا، فالفعل خبر منفي. وقيل : أنْ هي المخففة من الثقيلة، وجملة النهي في موضع الخبر، وفي هذه الأقوال العامل فصلت. وأما من أعربه أنه بدل من لفظ آيات أو من موضعها، أو التقدير : من النظر أنْ لا تعبدوا إلا الله، أو في الكتاب ألا تعبدوا، أو هي أنْ لا تعبدوا، أو ضمن أنْ لا تعبدوا، أو تفصله أنْ لا تعبدوا، فهو بمعزل عن علم الإعراب. والظاهر عود الضمير في منه إلى الله أي : إني لكم نذير من جهته وبشير، فيكون في موضع الصفة، فتعلق بمحذوف أي : كائن من جهته. أو تعلق بنذير أي : أنذركم من عذابه إنْ كفرتم، وأبشركم بثوابه إن آمنتم. وقيل : يعود على الكتابة أي : نذير لكم من مخالفته، وبشير منه لمن آمن وعمل به. وقدم النذير لأن التخويف هو الأهم. وأنْ استغفروا معطوف على أنْ لا تعبدوا، نهي أو نفي أي : لا يعبد إلا الله. وأمر بالاستغفار من الذنوب، ثم بالتوبة، وهما معنيان متباينان، لأنّ الاستغفار طلب المغفرة وهي الستر، والمعنى : أنه لا يبقى لها تبعة. والتوبة الانسلاخ من المعاصي، والندم على ما سلف منها، والعزم على عدم العود إليها. ومن قال : الاستغفار توبة، جعل قوله : ثم توبوا، بمعنى أخلصوا التوبة واستقيموا عليها. قال ابن عطية : وثم مرتبة، لأن الكافر أول ما ينيب، فإنه في طلب مغفرة ربه، فإذا تاب وتجرد من الكفر تم إيمانه.
وقال الزمخشري :( فإن قلت ) : ما معنى ثمّ في قوله : ثم توبوا إليه ؟ ( قلت ) : معناه استغفروا من الشرك، ثم ارجعوا إليه بالطاعة. وقرأ الحسن، وابن هرمز، وزيد بن علي، وابن محيصن : يمتعكم بالتخفيف من أمتع، وانتصب متاعاً على أنه مصدر جاز على غير الفعل، أو على أنه فمعول به. لأنك تقول : متعت زيداً ثوباً، والمتاع الحسن الرضا بالميسور والصبر على المقدور، أو حسن العمل وقطع الأمل، أو النعمة الكافية مع الصحة والعافية، أو الحلال الذي لا طلب فيه ولا تعب، أو لزوم القناعة وتوفيق الطاعة أقوال. وقال الزمخشري : يطول نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية، وعيشة واسعة، ونعمة متتابعة. قال ابن عطية : وقيل هو فوائد الدنيا وزينتها، وهذا ضعيف. لأنّ الكفار يشاركون في ذلك أعظم مشاركة، وربما زادوا على المسلمين في ذلك. قال : ووصف المتاع بالحسن إنما هو لطيب عيش المؤمن برجائه في الله عز وجل، وفي ثوابه وفرحه بالتقرب إليه بمفروضاته، والسرور بمواعيده، والكافر ليس في شيء من هذا، والأجل المسمى هو أجل الموت قاله : ابن عباس والحسن. وقال ابن جبير : يوم القيامة، والضمير في فضله يحتمل أن يعود على الله تعالى أي : يعطي في الآخرة كل من كان له فضل في عمل الخير، وزيادة ما تفضل به تعالى وزاده. ويحتمل أن يعود على كل أي : جزاء ذلك الفضل الذي عمله في الدنيا لا يبخس منه شيء، كما قال :) نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا ( أي جزاءها. والدرجات تتفاضل في الجنة بتفاضل الطاعات، وتقدم أمران بينهما تراخ، ورتب عليهما جوابان بينهما تراخ، ترتب على الاستغفار التمتيع المتاع الحسن في الدنيا، كما قال : فقلت ) اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً ( الآية وترتب على التوبة إيتاء الفضل في الآخرة، وناسب كل جواب لما وقع جواباً له، لأنّ الاستغفار من الذنب أول حال الراجع إلى الله، فناسب أن يرتب عليه حال الدنيا. والتوبة هي المنجية من النار، والتي تدخل الجنة، فناسب أن يرتب عليها حال الآخرة. والظاهر أنّ تولوا مضارع حذف منه التاء أي : وإنْ تتولوا. وقيل : هو ماض للغائبين، والتقدير قيل لهم : إني أخاف عليكم. وقرأ اليماني، وعيسى بن عمر : وإن تولوا بضم التاء واللام، وفتح الواو، مضارع وليّ، والأولى مضارع تولى. وفي كتاب اللوامح اليماني وعيسى البصرة : وإن تولوا بثلاث ضمات مرتباً للمفعول به، وهو ضد التبري. وقرأ الأعرج : تولوا بضم التاء واللام. وسكون الواو، مضارع أولى، ووصف يوم بكبير وهو يوم القيامة لما يقع فيه من الأهوال. وقيل : هو يوم بدر وغيره من الأيام التي رموا فيها بالخذلان والقتل والسبي والنهب وأبعد من ذهب إلى أنّ كبير صفة لعذاب، وخفض على الجوار. وباقي الآية تضمنت تهديداً عظيماً وصرحت بالبعث، وذكر أنّ قدرته عامة لجميع ما يشاء، ومن ذلك البعث،