" صفحة رقم ٢٩٣ "
قال ابن عطية : وظاهر أمر العزيز أنه كان كافراً، ويدل على ذلك كون الصنم في بيته حسبما يذكر. وقال مجاهد : كان مسلماً، واسم امرأة العزيز راعيل بنت رعاييل. وقال السدي : العزيز هو الملك، واسم امرأته زليخا بنت تمليخا، ومثواه مكان إقامته وهو كناية عن الإحسان إليه في مأكل ومشرب وملبس. ولام لامرأته تتعلق بقال فهي للتبليغ، نحو قلت لك : لا باشتراه عسى أن ينفعنا، لعله إذا تدرب وراض الأمور وعرف مجاريها نستعين به على بعض ما نحن بصدده، فينفعنا بكفايته، أو نتبناه ونقيمه مقام الولد، وكان قطفير عقيماً لا يولد له، فتفرس فيه الرشد فقال ذلك. وكذلك أي : مثل ذلك التمكين من قلب العزيز حتى عطف عليه، وأمر امرأته بإكرام مثواه. مكنا ليوسف في الأرض أي : أرض مصر يتصرف فيها بأمره ونهيه، أي : حكمناه فيها. ولام ولنعلمه متعلقة بمحذوف، إما قبله لتملكه ولنعلمه، وإما بعده أي ولنعلمه من تأويل الأحاديث كان ذلك الإنجاء والتمكين، أو الواو مقحمة أي : مكنا ليوسف في الأرض لنعلمه وكل مقول. والأحاديث : الرّؤيا، قاله مجاهد. وقيل : أحاديث الأنبياء والأمم. والضمير في على أمره الظاهر عوده على الله قاله ابن جبير، لا يمنع عما يشاء ولا ينازع فيما يريد، ويقضي. أو على يوسف قاله الطبري، أي : يديره ولا يكله إلى غيره. قد أراد أخوته به ما أرادوا، ولم يكن إلا ما أراد الله ودبره، وأكثر الناس المنفى عنهم العلم هم الكفار قاله ابن عطية. وقال الزمخشري : لا يعملون أن الأمر بيد الله، وقيل : المراد بالأكثر الجميع أي : لا يطلعون على غيبه. وقيل : المراد بأكثر الناس أهل مصر، وقيل : أهل مكة. والأشد عند سيبويه جمع واحد شدة، وأشد كنعمة وأنعم. وقال الكسائي : شد وأشد نحو صك وأصك، وقال الشاعر : عهدي به شد النهار كأنما
خضب البنان ورأسه بالعظلم
وزعم أبو عبيدة أنه لا واحد له من لفظه عند العرب والأشد بلوغ الحلم قاله : الشعبي، وربيعة، وزيد بن أسلم، أو سبعة عشر عاماً إلى نحو الأربعين قاله الزجاج، أو ثمانية عشر إلى ستين أو ثمانية عشر قاله عكرمة، ورواه أبو صالح عن ابن عباس، أو عشرون قاله الضحاك، أو إحدى وعشرون سنة أو ثلاثون أو ثلاثة وثلاثون قاله مجاهد وقتادة. ورواه ابن جبير عن ابن عباس، أو ثمان وثلاثون حكاه ابن قتيبة، أو أربعون قاله الحسن. وسئل الفاضل النحوي مهذب الدين محمد بن علي بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الخيمي عن الأشد فقال : هو خمس وثلاثون، وتمامه أربعون. وقيل : أقصاه اثنان وستون. والحلم الحكم، والعلم النبوّة. وقيل : الحكم بين الناس، والعلم : الفقه في الدين. وهذا أشبه لمجيء قصة المراودة بعد هذه القصة، وكذلك أي : مثل ذلك الجزاء لمن صبر ورضي بالمقادير نجزي المحسنين. وفيه تنبيه على أن يوسف كان محسناً في عنفوان شبابه فآتاه الله الحكم والعلم جزاء على إحسانه. وعن الحسن : من أحسن عبادة الله في شبيبته آتاه الله الحكمة في اكتهاله. وقال ابن عباس : المحسنين المهتدين، وقال الضحاك : الصابرين على النوائب.
( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الاْبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَّ ( : المراودة : المطالبة برفق، من راد يرود إذا ذهب وجاء، وهي مفاعلة من واحد نحو : داويت المريض، وكنى به عن طلب النكاح والمخادعة لأجله. كان المعنى


الصفحة التالية
Icon