" صفحة رقم ٣٣٦ "
دع الدهر يفعل ما أراد فإنه
إذا كلف الإفناد بالناس أفندا القديم : الذي مرت عليه إعصار، وهو أمر نسبي. البدو البادية وهي خلاف الحاضرة.
( فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ ياأَيُّهَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِى الْمُتَصَدّقِينَ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ( : في الكلام حذف تقديره : فذهبوا من الشام إلى مصر ودخلوها، فلما دخلوا عليه، والضمير في عليه عائد على يوسف، وكان آكد ما حدثوه فيه شكوى ما أصابهم من الجهد قبل ما وصاهم به من تحسس نبأ يوسف وأخيه. والضر : الهزال من الشدة والجوع، والبضاعة كانت زيوفاً قاله ابن عباس. وقال الحسن : قليلة. وقال ابن جبير : ناقصة. وقيل : كانت عروضاً. قيل : كانت ضوفاً وسمناً. وقيل : صنوبراً وحبة الخضراء وهي الفستق قاله : أبو صالح، وزيد بن أسلم، وقيل : سويق المقل والأقط، وقيل : قديد وحش. وقيل : حبالاً وإعدالاً وهقتاباً، ثم التمسوا منه إيفاء الكيل. وقد استدل بهذا على أن الكيل على البائع ولا دليل فيه. وتصدق علينا أي : بالمسامحة والإغماض عن رداءة البضاعة، أو زدنا على حقنا، فسموا ما هو فضل وزيادة لا تلزمه صدقة. قيل : لأن الصدقات محرمة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقيل : كانت تحل لغير نبينا ( ﷺ ) ). وسئل ابن عيينة عن ذلك فقال : ألم تسمع وتصدق علينا، أراد أنها كانت حلالاً لهم. وقال الزمخشري : والظاهر أنهم تمسكنوا له وطلبوا أن يتصدق عليهم، ومن ثم رق لهم وملكته الرحمة عليهم، فلم يتمالك أن عرفهم نفسه. وقوله إنّ الله يجزي المتصدقين شاهد، لذلك لذكر الله وجزائه انتهى. وقيل : كانت الصدقة محرمة، ولكن قالوها تجوز استعطافاً منهم له في المبايعة كما تقول لمن ساومته في سلعة : هبني من ثمنها كذا، فلم يقصد أن يهبك، وإنما حسنت معه الأفعال حتى يرجع منك إلى سومك. وقال ابن جريج : إنما خصوا بقولهم : وتصدق علينا أمر أخيهم بنيامين أي : أوف لنا الكيل في المبايعة، وتصدق علينا برد أخينا على أبيه. وقال النقاش في قوله : إن الله يجزي المتصدقين، هي من المعاريض التي هي مندوحة عن الكذب، وذلك أنهم كانوا يعتقدونه ملكاً كافراً على غير دينهم. ولو قالوا : إن الله يجزيك بصدقتك في الآخرة كذبوا، فقالوا له لفظاً يوهم أنهم أرادوه، وهم يصح لهم إخراجه منه بالتأويل. وروي أنهم لما قالوا له : مسناً وأهلنا الضر واستعطفوه، رق لهم ورحمهم. قال ابن إسحاق : وارفض دمعه باكياً، فشرع في كشف أمره إليهم. فيروي أنه حسر قناعة وقال لهم : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه أي : من التفريق بينهما في الصغر، وإذاية بنيامين بعد مغيب يوسف ؟ وكانوا يذلونه ويشتمونه. قال ابن عطية : ونسبهم إما إلى جهل المعصية، وإما إلى جهل السيآت وقلة الحنكة. وقال الزمخشري : أتاهم من جهة الدين وكان حليماً موفقاً، فكلمهم مستفهماً عن معرفة وجه القبح الذي يجب أن يراعيه التائب فقال : هل علمتم قبح ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون لا تعلمون قبحه، فلذلك أقدمتم عليه يعني : هل علمتم قبحه فتبتم إلى الله منه ؟ لأنّ علم القبح يدعو إلى الاستقباح، والاستقباح يجر التوبة، فكان كلامه شفقة عليهم وتنصحاً لهم في الدين، وإيثاراً لحق الله على حق نفسه في ذلك المقام الذي يتنفس فيه المكروب وينفث المصدور ويشتفي المغيظ المحنق ويدرك ثأره الموتور، فلله أخلاق الأنبياء ما أوطاها وأسمحها، ولله حصى عقولهم ما أرزنها وأرجحها انتهى وقيل : لم يرد نفي العلم عنهم لأنهم كانوا علماء، ولكنهم لما فعلوا ما لا يقتضيه العلم، وتقدم عليه إلا جاهل سماهم جاهلين. وفي التحرير ما لخص منه وهو أن قول الجمهور : هل علمتم استفهام معناه التقريع


الصفحة التالية
Icon