" صفحة رقم ٣٥٨ "
تأمل ومزيد نظر جاء ختمها بقوله لقوم يتفكرون.
( وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءذَا كُنَّا تُرَابًا أَءنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الاْغْلَالُ فِى أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ( : ولما أقام الدلائل على عظيم قدرته بما أودعه من الغرائب في ملكوته التي لا يقدر عليها سواه، عجب الرسول عليه الصلاة والسلام من إنكار المشركين وجدانيته، وتوهينهم قدرته لضعف عقولهم فنزل. وإن تعجب قال ابن عباس : وإن تعجبْ من تكذيبهم إياك بعدما كانوا حكموا عليك أنك من الصادقين، فهذا أعجب. وقيل : وإن تعجب يا محمد من عبادتهم ما لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً بعدما عرفوا الدلائل الدالة على التوحيد، فهذا أعجب. قال الزمخشري : وإن تعجب من قولهم يا محمد في إنكار البعث، فقولهم عجيب حقيق بأنْ يتعجب منه، لأن من قدر على إنشاء ما عدد عليك من الفطر العظيمة، ولم يعي بخلقهن، كانت الإعادة أهون شيء عليه وأيسره، فكان إنكارهم أعجوبة من الأعاجيب انتهى. وليس مدلول اللفظ ما ذكر، لأنه جعل متعلق عجبه ( ﷺ ) ) هو قولهم في إنكار البعث، فاتحذ الجزاء والشرط، إذ صار التقدير : وإن تعجب من قولهم في إنكار البعث فاعجب من قولهم في إنكار البعث، وإنما مدلول اللفظ أن يقع منك عجب، فليكن من قولهم : أئذا كنا الآية. وكان المعنى الذي ينبغي أن يتعجب منه : هو إنكار البعث، لأنه تعالى هو المخترع للأشياء. ومن كان قادراً على إبرازها من العدم الصرف كان قادراً على الإعادة، كما قال تعالى :) وَهُوَ الَّذِى اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ( وهو أهون عليه أي : هين عليه.
وقال ابن عطية : هذه الآية توبيخ للكفرة، أي : إن تعجب يا محمد من جهالتهم وإعراضهم عن الحق، فهم أهل لذلك، وعجيب وغريب أن تنكر قلوبهم العود بعد كوننا خلقاً جديداً. ويحتمل اللفظ منزعاً آخر : إن كنت تريد عجباً فهلم، فإنّ من أعجب العجب قولهم انتهى. واختلف القراء في الاستفهامين إذا اجتمعا في أحد عشر موضعاً، هنا موضع، وكذا في المؤمنين، وفي العنكبوت، وفي النمل، وفي السجدة، وفي الواقعة، وفي والنازعات، وفي بني إسرائيل موضعان، وكذا في والصافات. وقرأ نافع والكسائي بجعل الأول استفهاماً، والثاني خبراً، إلا في العنكبوت والنمل بعكس نافع. وجمع الكسائي بين الاستفهامين في العنكبوت، وأما في النمل فعلى أصله إلا أنه زاد نوناً فقرأ :) إِنَّنَا لَمُخْرَجُونَ ( وقرأ ابن عامر بجعل الأول خبراً، والثاني استفهاماً، إلا في النمل والنازعات فعكس، وزاد في النمل نوناً كالكسائي. وإلا في الواقعة فقرأهما باستفهامين، وهي قراءة باقي السبعة في هذا الباب، إلا ابن كثير وحفصاً قرأ في العنكبوت بالخبر في الأول وبالاستفهام في الثاني، وهم على أصولهم في اجتماع الهمزتين من تخفيف وتحقيق وفصل بين الهمزتين وتركه. وقولهم : فعجب، هو خبر مقدم ولا بد فيه من تقدير صفة، لأنه لا يتمكن المعنى بمطلق فلا بد من قيده وتقديره والله أعلم : فعجب أي عجب، أو فعجب غريب. وإذا قدرناه موصوفاً جاز أن يعرب مبتدأ لأنه نكرة فيها مسوغ الابتداء وهو الوصف، وقد وقعت موقع الابتداء، ولا يضر كون الخبر معرفة ذلك. كما أجاز سيبويه ذلك في كم مالك ؟ لمسوغ الابتداء فيه وهو الاستفهام، وفي نحو : اقصد رجلاً خير منه أبوه، لمسوغ الابتداء أيضاً، وهو كونه عاملاً فيما بعده. وقال أبو البقاء : وقيل عجب بمعنى معجب، قال : فعلى هذا يجوز أن يرتفع قولهم به انتهى. وهذا الذي أجازه لا يجوز، لأنه لا يلزم من كون الشيء بمعنى الشيء أن يكون حكمه في العمل كحكمه، فمعجب يعمل، وعجب لا يعمل، ألا ترى أن فعلاً كذبح، وفعلاً كقبض، وفعلة كغرفة، هي بمعنى مفعول، ولا يعمل عمله، فلا تقول : مررت برجل ذبح كبشه، ولا برجل قبض ماله، ولا برجل غرف ماءه، بمعنى مذبوح كبشه ومقبوض ماله ومعروف ماؤه. وقد نصوا على أن هذه تنوب في الدلالة لا في العمل عن المفعول. وقد حصر النحويون ما يرفع الفاعل، والظاهر أن أئذا معمول لقولهم محكى به. وقال الزمخشري : أئذا كنا إلى آخر قولهم يجوز أن يكون في محل الرفع بدلاً من قولهم انتهى. هذا إعراب متكلف، وعدول