" صفحة رقم ٣٦٢ "
الشافعي، وإلى خمس عند مالك. وقيل : إن الضحاك ولد لسنتين، وهرم بن حبان بقي في بطن أمه أربع سنين ولذلك سمي هرماً ومنه الدم فإنه يقل ويكثر. وإن كانت مصدرية فالمعنى : أنه يعلم حمل كل أنثى، ويعلم غيض الأرحام وازديادها، فلا يخفى عليه شيء من ذلك من أوقاته وأحواله. ويجوز أن يراد غيوض ما في الأرحام وزيادته، فأسند الفعل إلى الأرحام وهو لما فيها، على أنّ الفعل غير متعد ويعضده قول الحسن : الغيضوضة أن يقع لثمانية أشهر أو أقل من ذلك، والازدياد أن يزيد على تسعة أشهر. وعنه : الغيض الذي يكون سقطاً لغير تمام، والازدياد ولد التمام انتهى. وهو جمع ما قاله المفسرون مفرقاً. وبمقدار يقدر، ويطلق المقدار على القدر، وعلى ما يقدر به الشيء. والظاهر عموم قوله : وكل شيء عنده بمقدار، أي : بحد لا يتجاوزه ولا يقتصر عنه. وقال ابن عباس : وكل شيء من الثواب والعقاب عنده بمقدار أي : بقدر الطاعة والمعصية. وقال الضحاك : من الغيض والازدياد. وقال قتادة : من الرزق والأجل. وقيل : صحة الجنين ومرضه، وموته، وحياته، ورزقه، وأجله. والأحسن حمل هذه الأقوال على التمثيل لا على التخصيص، لأنه لا دليل عليه.
والمراد من العندية العلم أي : هو تعالى عالم بكمية كل شيء، وكيفيته على الوجه المفصل المبين، فامتنع وقوع اللبس في تلك المعلومات. وقيل المراد بالعندية أنه تعالى خصص كل حادث بوقته بعينه، وحالة معينة بمشيئته الأزلية وإرادته السرمدية. ولما ذكر أنه عالم بأشياء خفية لا يعلمها إلا هو، وكانت أشياء جزئية من خفايا علمه، ذكر أن علمه محيط بجميع الأشياء، فعلمه تعالى متعلق بما يشاهده العالم تعلقه بما يغيب عنهم. وقيل : الغائب المعدوم، والشاهد الموجود. وقيل : الغائب ما غاب عن الحس، والشاهد ما حضر للحس. وقرأ زيد بن علي : عالم الغيب بالنصب، الكبير العظيم الشأن الذي كل شيء دونه، المتعال المستعلي على كل شيء بقدرته، أو الذي كبر عن صفات المحدثين وتعالى عنها. وأثبت ابن كثير وأبو عمر وفي رواية : ياء المتعال وقفاً ووصلاً، وهو الكثير في لسان العرب، وحذفها الباقون وصلاً ووقفاً، لأنها كذلك رسمت في الخط. واستشهد سيبويه بحذفها في الفواصل ومن القوافي، وأجاز غيره حذفها مطلقاً. ووجه حذفها مع أنها تحذف مع التنوين، وإن تعاقب التنوين، فحذفت مع المعاقب إجراء له مجرى المعاقب. ولما ذكر أنه تعالى عالم الغيب والشهادة على العموم، ذكر تعالى تعلق علمه بشيء خاص من أحوال المكلفين، فقال : سواء منكم الآية. والمعنى : سواء في علمه المسر القول، والجاهر به لا يخفى عليه شيء من أقواله. وسواء تقدم الكلام فيه، وفي معانيه، وهو هنا بمعنى مستو، وهو لا يثني في أشهر اللغات. وحكى أبو زيد تثنيته فتقول : هما سواآن. وقيل : هو على حذف أي : سواء منكم سرّ من أسرّ القول، وجهر من جهر به، وأعربوا سواء خبر مبتدأ أو من أسر، والمعطوف عليه مبتدأ. ويجوز أن يكون سواء مبتدأ لأنه موصوف بقوله : منكم، ومن المعطوف الخبر. وكذا أعرب سيبويه قول العرب : سواء عليه الخير والشر. وقول ابن عطية : إن سيبويه ضعف ذلك بأنه ابتداء بنكرة، وهو لا يصح.
وقال ابن عباس : مستخف مستتر وسارب ظاهر. وقال مجاهد : مستخف بالمعاصي. وتفسير الأخفش وقطرب : المستخفي هنا بالظاهر. وإن كان موجوداً في اللغة ينبو عنه اقترانه بالليل، واقتران السارب بالنهار. وتقابل الوصفان في قوله : ومن هو مستخف، إذ قابل من أسر القول. وفي قوله : سارب بالنهار إذ قابل ومن جهر به. والمعنى والله أعلم إنه تعالى محيط علمه بأقوال المكلفين وأفعالهم، لا يعزب عنه شيء من ذلك. وظاهر التقسيم يقتضي تكرار من، لكنه حذف للعلم به، إذ تقدم قوله : من أسرّ القول ومن جهر به، لكن ذلك لا يجوز على مذهب البصريين، وأجازه الكوفيون. ويجوز أن يكون : وسارب، معطوفاً على من، لا على مستخف، فيصح التقسيم. كأنه قيل : سواء شخص هو مستخف بالليل، وشخص هو سارب بالنهار. ويجوز أن يكون معطوفاً على مستخف. وأريد


الصفحة التالية
Icon