" صفحة رقم ٣٦٥ "
حافظات له. والثالثة : كونها من أمر الله، وإن جعلنا من بين يديه ومن خلفه يتعلق بقوله : يحفظونه، فيكون إذ ذاك معقبات وصفت بصفتين : إحداهما : يحفظونه من بين يديه ومن خلفه. والثانية : قوله : من أمر الله أي : كائنة من أمر الله. غاية ما في ذلك أنه بدىء بالوصف بالجملة قبل الوصف بالجار والمجرور، وذلك شائع فصيح، وكان الوصف بالجملة الدالة على الديمومة، في الحفظ آكد، فلذلك قدم الوصف بها. وذكر أبو عبد الله الرازي في الملائكة الموكلين علينا، وفي الكتبة منهم أقوالاً عن المنجمين وأصحاب الطلمسات، وناس سماهم حكماء الإسلام يوقف على ذلك من تفسيره. ولما ذكر تعالى إحاطة علمه بخفايا الأشياء وجلاياها، وأن الملائكة تعقب على المكلفين لضبط ما يصدر منهم، وإن كان الصادر منهم خيراً وشراً، ذكر تعالى أن ما خولهم فيه من النعم وأسبغ عليهم من الإحسان لا يزيله عنهم إلى الانتقام منهم إلا بكفر تلك النعم، وإهمال أمره بالطاعة، واستبدالها بالمعصية. فكان في ذكر ذلك تنبيه على لزوم الطاعة، وتحذير لو بال المعصية. والظاهر أنْ لا يقع تغير النعم بقوم حتى يقع تغيير منهم بالمعاصي. قال ابن عطية : وهذا الموضع مؤول، لأنه صح الخبر بما قدرت الشريعة من أخذ العامة بذنوب الخاصة وبالعكس، ومنه قوله تعالى :) وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ( الآية. وسؤالهم للرسول ( ﷺ ) ) : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال :( نعم إذا كثر الخبث في أشياء كثيرة ) فمعنى الآية : حتى يقع تغيير إما منهم، وإما من الناظر لهم، أو ممن هو منهم تسبب، كما غير الله تعالى المنهزمين يوم أحد بسبب تغيير الرماة ما بأنفسهم، إلى غير هذا في أمثله الشريعة. فليس معنى الآية أنه ليس ينزل بأحد عقوبة إلا بأن يتقدم منه ذنب، بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير. وثم أيضاً مصائب يزيد الله بها أجر المصاب، فتلك ليست تغييراً انتهى. وفي الحديث :( إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه يوشك أن يعمهم الله بعقاب ) وقيل : هذا يرجع إلى قوله :) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ( فبين تعالى أنه لا ينزل بهم عذاب الاستئصال إلا والمعلوم منهم الإصرار على الكفر والمعاصي، إلا إن علم الله تعالى أنّ فيهم، أو في عقبهم من يؤمن، فإنه تعالى لا ينزل بهم عذاب الاستئصال. وما موصولة صلتها بقوم، وكذا ما بأنفسهم. وفي ما إبهام لا يتغير المراد منها : إلا بسياق الكلام، واعتقاد محذوف يتبين به المعنى، والتقدير : لا يغير ما بقوم من نعمة وخير إلى ضد ذلك حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعته إلى توالي معصيته. والسوء يجمع على كل ما يسوء من مرض وخير وعذاب، وغير ذلك من البلاء. ولما كان سياق الكلام في الانتقام من العصاة اقتصر على قوله : سوء، وإلا فالسوء والخير إذا أراد الله تعالى شيئاً منها فلا مرد له، فذكر السواء مبالغة في التخويف. وقال السدي : من وال من ملجأ. وقال الزمخشري : ممن يلي أمرهم، ويدفع عنهم. وقيل : من ناصر يمنع من عذابه.
( هُوَ الَّذِى يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِىء السَّحَابَ الثّقَالَ وَيُسَبّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلْائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِى اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ( : لما خوف تعالى العباد بقوله :) وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ ( أتبعه بما يشتمل على أمور دالة على قدرة الله تعالى، وحكمته تشبه النعم من وجه، والنقم من وجه. وتقدم الكلام في البرق والرعد والصواعق والسحاب في البقرة. قال ابن عباس والحسن : خوفاً من الصواعق، وطمعاً في الغيث. وقال قتادة : خوفاً للمسافرين من أذى المطر، وطمعاً للمقيم في نفعه. وقريب منه ما ذكره الزجاج وهو : خوفاً للبلد الذي يخاف ضرر المطر له، وطمعاً لمن يرجو الانتفاع به، وذكر الماوردي : خوفاً من العقاب، وطمعاً في الثواب. وعن ابن عباس وغيره : أنه كنى بالبرق عن الماء، لما كان المطر يقاربه غالباً وذلك من باب إطلاق الشيء مجازاً على ما يقاربه غالباً. قال الحوفي : خوفاً وطمعاً مصدران في موضع الحال من ضمير الخطاب، وجوزه الزمخشري أي : خائفين وطامعين، قال : ومعنى الخوف والطمع، أن وقوع الصواعق يخوف عند لمع البرق، ويطمع في الغيث. قال أبو الطيب