" صفحة رقم ٣٨٢ "
الأرض حتى تتزايل قطعاً قطعاً، أو تكلم به الموتى فتسمع وتجيب، لكان هذا القرآن لكونه غاية في التذكير، ونهاية في الإنذار والتخويف. كما قال :) لَوْ أَنزَلْنَا هَاذَا الْقُرْءانَ عَلَى جَبَلٍ ( الآية فجواب لو محذوف وهو ما قدرناه، وحذف جواب لو لدلالة المعنى عليه جائز نحو قوله تعالى :) وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ( ) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ ( وقال الشاعر : وجدك لو شيء أتانا رسوله
سواك ولكن لم نجد عنك مدفعا
وقيل : تقديره لما آمنوا به كقوله تعالى :) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْء قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ ( قال الزجاج. وقال الفراء : هو متعلق بما قبله، والمعنى : وهم يكفرون بالرحمن. ولو أن قرآناً سيرت به الجبال وما بينهما اعتراض، وعلى قول الفراء : يترتب جواب لو أن يكون لما آمنوا، لأنّ قولهم وهم يكفرون بالرحمن ليس جواباً، وإنما هو دليل على الجواب. وقيل : معنى قطعت به الأرض شققت فجعلت أنهاراً وعيوناً. ويترتب على أن يكون الجواب المحذوف لما آمنوا قوله : بل لله الأمر جميعاً أي : الإيمان والكفر، إنما يخلقهما الله تعالى ويريدهما. وأما على تقدير لكان هذا القرآن، فيحتاج إلى ضميمة وهو أن يقدر : لكان هذا القرآن الذي أوحينا إليك المطلوب فيه إيمانهم وما تضمنه من التكاليف، ثم قال : بل لله الأمر جميعاً أي : الإيمان والكفر بيد الله يخلقهما فيمن يشاء. وقال الزمخشري : بل لله الأمر جميعاً على معنيين : أحدهما : بل لله القدرة على كل شيء، وهو قادر على الآيات التي اقترحوها، إلا أن علمه بأن إظهارها مفسدة. والثاني : بل لله أن يلجئهم إلى الإيمان وهو قادر على الإلجاء. لولا أنه بنى أمر التكليف على الاختيار، ويعضده قوله تعالى : أفلم ييئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله، مشيئة الإلجاء والقسر لهدى الناس جميع انتهى. وهو على طريقة الاعتزال. واليأس القنوط في الشيء، وهو هنا في قول الأكثرين بمعنى العلم، كأنه قيل : ألم يعلم الذين آمنوا. قال القاسم بن معن هي : لغة هوازن، وقال ابن الكلبي : هي لغة من النخع وأنشدوا على ذلك لسحيم بن وثيل الرياحي وقال ابن الكلبي : أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني
ألم تيأسوا إني ابن فارس زهدم
وقال رباح بن عدي : ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه
وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
وقال آخر : قثشي ش حتى اذا يئس الرماة وارسلوا
غضفا دواجن قافلا أعصامها
إذا علموا أنّ ليس وجد إلا لذي وارا. وأنكر الفراء أن يكون يئس بمعنى علم، وزعم أنه لم يسمع أحد من العرب يقول : يئست بمعنى علمت انتهى. وقد حفظ ذلك غيره، وهذا القاسم بن معن من ثقاة الكوفيين وأجلائهم


الصفحة التالية
Icon