" صفحة رقم ٣٨٤ "
متقلباً في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله المهتمين عليه، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصاً عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها البناء، وهذه والله فرية ما فيها مرية انتهى. وقال الفراء : لا يتلى إلا كما أنزل : أفلم ييأس انتهى.
والكفار عام في جميع الكفار، وهذا الأمر مستمر فيهم إلى يوم القيامة قاله : الحسن، وابن السائب، أو هو ظاهر اللفظ. وقال ابن عطية : كفار قريش، والعرب لا تزال تصيبهم قوارع من سرايا رسول الله ( ﷺ ) ) وغزواته. وقال مقاتل والزمخشري : كفار مكة. قال الزمخشري : تصيبهم بما صنعوا من كفرهم وسوء أعمالهم قارعة داهية تقرعهم بما يحل الله بهم في كل وقت من صنوف البلايا والمصائب في أنفسهم وأولادهم وأموالهم، أو تحل القارعة قريباً منهم فيفزعون ويضطربون ويتطاير إليهم شررها، وتتعدى إليهم شرورها حتى يأتي وعد الله وهو موتهم، أو القيامة انتهى. وقال الحسن : حال الكفرة هكذا هو أبداً، ووعد الله قيام الساعة. والظاهر أنّ الضمير في تحل عائد على قارعة قاله الحسن. وقالت فرقة : التاء للخطاب، والضمير للرسول ( ﷺ ) )، أو تحل أنت يا محمد قريباً من دارهم بجيشك كما حلّ بالحديبية، وعزاه الطبري إلى : ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وقاله عكرمة. ويكون وعد الله فتح مكة، وكان الله قد وعده ذلك، وقاله ابن عباس ومجاهد. وقرأ مجاهد، وابن جبير : أو يحل بالياء على الغيبة، واحتمل أن يكون عائداً على معنى القارعة راعى فيه التذكير لأنها بمعنى البلاء، أو تكون الهاء في قارعة للمبالغة، فذكر واحتمل أن يكون عائداً على الرسول ( ﷺ ) ) أي : ويحل الرسول قريباً. وقرأ أيضاً من ديارهم على الجمع. وقال ابن عباس : القارعة العذاب من السماء. وقال عكرمة : السرايا والطلائع. وفي قوله : ولقد استهزىء الآية، تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام، وأنّ حالك حال من تقدمك من الرسل، وأنّ المستهزئين يملى لهم أي : يمهلون ثم يؤخذون. وتنبيه على أنّ حال من استهزأ بك، وإن أمهل حال أولئك في أخذهم ووعيد لهم. وفي قوله : فكيف كان عقاب استفهام معناه التعجب بما حل، وفي ضمنه وعيد معاصري الرسول ( ﷺ ) ) من الكفار.
( أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى الاْرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ ( : من موصولة صلتها ما بعدها، وهي مبتدأ والخبر محذوف تقديره : كمن ييئس، كذلك من شركائهم التي لا تضر ولا تنفع، كما حذف من قوله :) أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مّن رَّبّهِ ( تقديره : كالقاسي قلبه الذي هو في ظلمة. ودل عليه قوله تعالى : وجعلوا لله شركاء، كما دل على القاسي ) فَوَيْلٌ لّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ( ويحسن حذف هذا الخبر كون المبتدأ يكون مقابله الخبر المحذوف، وقد جاء مثبتاً كثيراً كقوله تعالى :) أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ ( ) أَفَمَن يَعْلَمُ ( ثم قال :) كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ). والظاهر أنّ قوله تعالى : وجعلوا لله شركاء، استئناف إخبار عن سوء صنيعهم، وكونهم أشركوا مع الله ما لا يصلح للألوهية. نعى عليهم هذا الفعل القبيح، هذا والباري تعالى هو المحيط بأحوال النفوس جليها وخفيها. ونبه على بعض حالاتها وهو الكسب، ليتفكر الإنسان فيما يكسب من خير وشر، وما يترتب على الكسب في الجزاء، وعبر بقائم عن الإحاطة والمراقبة التي لا يغفل عنها. وقال الزمخشري : ويجوز أن يقدر ما يقع خبراً للمبتدأ، ويعطف عليه وجعلوا لله أي : وجعلوا، وتمثيله : أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه، وجعلوا له شركاء، وهو الله الذي يستحق العبادة وحده انتهى. وفي هذا التوجيه إقامة الظاهر مقام المضمر في قوله : وجعلوا لله أي : وجعلوا له، وفيه حذف الخبر عن المقابل، وأكثر ما جاء هذا الخبر مقابلاً. وفي تفسير أبي عبد الله الرازي قال : الشديد صاحب العقد، الواو في قوله تعالى : وجعلوا واو الحال، والتقدير : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت موجود، والحال أنهم جعلوا له شركاء، ثم أقيم الظاهر وهو لله مقام المضمر تقديراً لألوهيته وتصريحاً بها، كما تقول : معطي الناس ومغنيهم موجود، ويحرم مثلي انتهى. وقال


الصفحة التالية
Icon