" صفحة رقم ٣٨٩ "
وغيره : فإنما عليك البلاغ جواب الشرط، والذي تقدم شرطان، لأنّ المعطوف على الشرط شرط. فأما كونه جواباً للشرط الأول فليس بظاهر، لأنه لا يترتب عليه، إذ يصير المعنى : وإما نرينك بعض ما نعدهم من العذاب فإنما عليك البلاغ. وأما كونه جواباً للشرط الثاني هو أو نتوفينك فكذلك، لأنه يصير التقدير : إنّ ما نتوفينك فإنما عليك البلاغ، ولا يترتب وجوب التبليغ عليه على وفاته عليه السلام، لأنّ التكليف ينقطع بعد الوفاة فيحتاج إلى تأويل وهو : أن يتقدر لكل شرط منهما ما يناسب أن يكون جزاء مترتباً عليه. وذلك أن يكون التقدير والله أعلم وأنّ ما نرينك بعض الذي نعدهم به من العذاب فذلك شافيك من أعدائك، ودليل على صدقك، إذا أخبرت بما يحل بهم. ولم يعين زمان حلوله بهم، فاحتمل أن يقع ذلك في حياتك، واحتمل أن يقع بهم بعد وفاتك أو نتوفينك أي : أو أن نتوفينك قبل حلوله بهم، فلا لوم عليك ولا عتب، إذ قد حل بهم بعض ما وعد الله به على لسانك من عذابهم، فإنما عليك البلاغ لا حلول العذاب بهم. إذ ذاك راجع إليّ، وعلينا جزاؤهم في تكذيبهم إياك، وكفرهم بما جئت به.
( أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِى الاْرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ وَيَقُولُ ( : الضمير في أو لم يروا عائد على الذين وعدوا، وفي ذلك اتعاظ لمن اتعظ، نبهوا على أنْ ينظروا بعض الأرض من أطرافها. ونأتي يعني بالأمر والقدرة كقوله :) فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ ( والأرض أرض الكفار المذكورين، ويعني بنقصها من أطرافها للمسلمين : من جوانبها. كان المسلمون يغزون من حوالى أرض الكفار مما يلي المدينة، ويغلبون على جوانب أرض مكة، والأطراف : الجوانب. وقيل : الطرف من كل شيء خياره، ومنه قول علي بن أبي طالب : العلوم أودية، في أي واد أخذت منها خسرت، فخذوا من كل شيء طرفاً يعني : خياراً قاله ابن عطية، والذي يظهر أن معنى طرفاً جانباً وبعضاً، كأنه أشار إلى أنّ الإنسان يكون مشاركاً في أطراف من العلوم، لأنه لا يمكنه استيعاب جميعها، ولم يشر إلى أنه يستغرق زمانه في علم واحد.
وقال ابن عباس والضحاك : نأتي أرض هؤلاء بالفتح عليك، فتنقصها بما يدخل في دينك من القبائل والبلاد المجاورة لهم، فما يؤمنهم أن يمكنه منهم. وهذا التفسير لا يتأتى إلا أن قدر نزول هذه الآية بالمدينة. وقيل : الأرض اسم جنس، والانتقاص من الأطراف بتخريب العمران الذي يحله الله بالكفرة. وروي هذا عن ابن عباس أيضاً، ومجاهد، وعنهما أيضاً : الانتقاص هو بموت البشر، وهلاك الثمرات، ونقص البركة. وعن ابن عباس أيضاً : موت أشرافها وكبرائها، وذهاب الصلحاء والأخيار، فعلى هذا الأطراف هنا الأشراف. وقال ابن الأعرابي : الطرف والطرف الرجل الكريم. وعن عطاء بنن أبي رباح : ذهاب فقهائها وخيار أهلها. وعن مجاهد : موت الفقهاء والعلماء. وقال عكرمة والشعبي : هو نقص الأنفس. وقيل : هلاك من أهلك من الأمم قبل قريش، وهلاك أرضهم بعدهم. والمناسب من هذه الأقوال هو الأول. ولم يذكر الزمخشري إلا ما هو قريب منه قال : نأتي الأرض أرض الكفر ننقصها من أطرافها بما يفتح على المسلمين من بلادهم، فينقص دار الحرب، ويزيد في دار الإسلام، وذلك من آيات الغلبة والنصرة. ونحوه :) أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الاْرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ( ) سَنُرِيهِمْ ءايَاتِنَا فِى الاْفَاقِ ( والمعنى : عليك بالبلاغ الذي حملته، ولا تهتم بما وراء ذلك فنحن نكفيكه، ونتم ما وعدناك من الظفر، ولا يضجرك تأخره، فإنّ ذلك لما نعلم من المصالح التي لا تعلمها، ثم طيب نفسه ونفس عنها بما ذكر من طلوع تباشير الظفر. ويتجه قول من قال : النقص بموت الأشراف والعلماء والخيار وتقريره : أو لم يروا أنا نحدث في الدنيا من الاختلافات خراباً بعد عماره، وموتاً بعد حياة، ذلا بعد عز،


الصفحة التالية
Icon