" صفحة رقم ٤٠٢ "
وهذا وصف حاله في الدنيا، لأنه مرصد لجهنم، فكأنها بين يديه وهو على شفيرها، أو وصف حاله في الآخرة حين يبعث ويوقف. وقال الشاعر : أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي
وقوم تميم والفلاة ورائيا
وقال آخر : أليس ورائي إن تراخت منيتي
لزوم العصا نحني عليها الأصابع
ووراء من الأضداد قاله : أبو عبيدة والأزهري. وقيل : ليس من الأضداد. وقال ثعلب : اسم لما توارى عنك، سواء كان أمامك أم خلفك. وقيل : بمعنى من خلفه أي : في طلبه كما تقول الأمر من ورائك أي : سوف يأتيك. ويسقى معطوف على محذوف تقديره : يلقى فيها ويسقى، أو معطوف على العامل في من ورائه، وهو واقع موقع الصفة. وارتفاع جهنم على الفاعلية، والظاهر إرادة حقيقة الماء. وصديد قال ابن عطية : هو نعت لماء، كما تقول : هذا خاتم حديد وليس بماء، لكنه لما كان بدل الماء في العرف عندنا يعني أطلق عليه ماء. وقيل : هو نعت على إسقاط أداة التشبيه كما تقول : مررت برجل أسد التقدير : مثل صديد. فعلى قول ابن عطية هو نفس الصديد وليس بماء حقيقة، وعلى هذا القول لا يكون صديداً ولكنه ما يشبه بالصديد. وقال الزمخشري : صديد عطف بيان لماء قال : ويسقى من ماء، فأبهمه إبهاماً، ثم بينه بقوله : صديد انتهى. والبصريون لا يجيزون عطف البيان في النكرات، وأجازه الكوفيون وتبعهم الفارسي، فأعرب ) زَيْتُونَةٍ ( عطف بيان ) لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ( فعلى رأي لبصريين لا يجوز أن يكون قوله : صديد، عطف بيان. وقال الحوفي : صديد نعت لماء. وقال مجاهد، وقتادة، والضحاك : هو ما يسيل من أجساد أهل النار. وقال محمد بن كعب والربيع : هو غسالة أهل النار في النار. وقيل : هو ما يسيل من فروج الزناة والزواني. وقيل : صديد بمعنى مصدود عنه أي : لكراهته يصد عنه، فيكون مأخوذاً عنه من الصد. وذكر ابن المبارك من حديث أبي أمامة عن الرسول قاله في قوله :) وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ ( قال :( يقرب إليه فيتكرهه، فإذا أدنى منه شوي وجهه ووقعت فروة رأسه، وإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره ) يتجرعه يتكلف جرعه. ولا يكاد يسيغه أي : ولا يقارب أن يسيغه، فكيف تكون الإساغة. والظاهر هنا انتفاء مقاربة إساغته إياه، وإذا انتفت انتفت الإساغة، فيكون كقوله :) لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ( أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها ؟ والحديث :( جاءنا ثم يشربه ) فإن صح الحديث كان المعنى : ولا يكاد يسيغه قبل أن يشربه ثم شربه، كما جاء ) فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ ( أي وما كادوا يفعلون قبل الذبح. وتجرع تفعل، ويحتمل هنا وجوهاً أن يكون للمطاوعة أي جرعة فتجرع كقولك : علمته فتعلم. وأنْ يكون للتكلف نحو : تحلم، وأن يكون لمواصلة


الصفحة التالية
Icon