" صفحة رقم ٤٣٥ "
ً تشاهدونهم ويشهدون لكم بصدق النبي ( ﷺ ) )، لأنكم حينئذ مصدقون عن اضطرار. وقال ابن عطية : والظاهر أنّ معناها : كما يجب ويحق من الوحي والمنافع التي أرادها الله تعالى لعباده، لا على اقتراح كافر، ولا باختيار معترض. ثم ذكر عادة الله في الأمم من أنه لم يأتهم بآية اقتراح إلا ومعها العذاب في أثرها إنْ لم يؤمنوا، فكان الكلام ما تنزل الملائكة إلا بحق واجب لا باقتراحكم. وأيضاً فلو نزلت لم تنظروا بعد ذلك بالعذاب أي : تؤخروا والمعنى، وهذا لا يكون إذ كان في علم الله أنّ منهم من يؤمن، أو يلد من يؤمن.
وقال الزمخشري : وادن جواب وجزاء، لأنه جواب لهم، وجزاء بالشرط مقدر تقديره : ولو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين وما أخر عذبهم. ولما قالوا على سبيل الاستهزاء : يا أيها الذي نزل عليه الذكر، رد عليهم بأنه هو المنزل عليه، فليس من قبله ولا قبل أحد، بل هو الله تعالى الذي بعث به جبريل عليه السلام إلى رسوله، وأكد ذلك بقوله : إنا نحن، بدخول إنّ وبلفظ نحن. ونحن مبتدأ، أو تأكيد لاسم إنّ ثم قال : وإنا له لحافظون أي : حافظون له من الشياطين. وفي كل وقت تكفل تعالى بحفظه، فلا يعتريه زيادة ولا نقصان، ولا تحريف ولا تبديل، بخلاف غيره من الكتب المتقدمة، فإنه تعالى لم يتكفل حفظها بل قال تعالى :) ءانٍ ( ولذلك وقع فيها الاختلاف. وحفظه إياه دليل على أنه من عنده تعالى، إذ لو كان من قول البشر لتطرق إليه ما تطرق لكلام البشر. وقال الحسن : حفظه بإبقاء شريعته إلى يوم القيامة. وقيل : يحفظه في قلوب من أراد بهم خيراً حتى لو غير أحد نقطة لقال له الصبيان : كذبت، وصوابه كذا، ولم يتفق هذا لشيء من الكتب سواه. وعلى هذا فالظاهر أنّ الضمير في له عائد على الذكر، لأنه المصرح به في الآية، وهو قول الأكثر : مجاهد، وقتادة، وغيرهما. وقالت فرقة : الضمير في له عائد على رسول الله ( ﷺ ) ) أي : يحفظه من أذاكم، ويحوطه من مكركم كما قال تعالى :) فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ( وفي ضمن هذه الآية التبشير بحياة رسول الله ( ﷺ ) ) حتى يظهر الله به الدين.
( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى شِيَعِ الاْوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِم مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِى قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الاْوَّلِينَ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ ( : لما ذكر تعالى استهزاء الكفار به عليه السلام، ونسبته إلى الجنون، واقتراح نزول الملائكة، سلاه تعالى بأن من أرسل من قبلك كان ديدن الرسل إليهم مثل ديدن هؤلاء معك. وتقدم تفسير الشيع في أواخر الأنعام. ومفعول أرسلنا محذوف أي : رسلاً من قبلك. وقال الفراء : في شيع الأولين هو من إضافة الشيء إلى صفته كقوله : حق اليقين، وبجانب الغربي أي الشيع الموصوف، أي : في شيع الأمم الأولين، والأولون هم الأقدمون. وقال الزمخشري : وما يأتيهم حكاية ماضية، لأنّ ما لا تدخل على مضارع، إلا وهو في موضع الحال، ولا على ماض إلا وهو قريب من الحال انتهى. وهذا الذي ذكره هو قول الأكثر من أنّ ما تخلص المضارع للحال وتعينه له، وذهب غيره إلى أنّ ما يكثر دخولها على المضارع مراداً به الحال، وتدخل عليه مراداً به الاستقبال، وأنشد على ذلك قول أبي ذؤيب : أودي بني وأودعوني حسرة
عند الرقاد وعبرة ما تقلع
وقول الأعشى يمدح الرسول عليه السلام : له نافلات ما يغب نوالها
وليس عطاء اليوم مانعه غدا


الصفحة التالية
Icon