" صفحة رقم ٤٤٦ "
يعلم العبد قدر عفو الله ما تورع عن حرام ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه ) وفي الحديث عن ابن المبارك بإسناده أن الرسول ( ﷺ ) ) طلع من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة ونحن نضحك فقال :( ألا أراكم تضحكون ) ثم أدبر حتى إذا كان عناء الحجر، رجع إلينا القهقرى فقال :( جاء جبريل عليه السلام فقال يقول الله لم تقنط عبادي نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم ).
( وَنَبّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى عَلَى أَن مَّسَّنِىَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشّرُونَ قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقّ فَلاَ تَكُن مّنَ الْقَانِطِينَ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ ( ولما ذكر تعالى ما أعد للعاصين من النار، وللطائعين من الجنة، ذكر العرب بأحوال من يعرفونه ممن عصى وكذب الرسل فحل به عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة، ليزدجروا عن كفرهم، وليعتبروا بما حل بغيرهم. فبدأ بذكر جدهم الأعلى إبراهيم عليه السلام، وما جرى لقوم ابن أخيه لوط، ثم بذكر أصحاب الحجر وهم قوم صالح، ثم بأصحاب الأيكة وهم قوم شعيب. وقرأ أبو حيوة : ونبيهم بإبدال الهمزة ياء. وضيف إبراهيم هم الملائكة الذين بشروه بالولد، وبهلاك قوم لوط. وأضيفوا إلى إبراهيم وإن لم يكونوا أضيافاً، لأنهم في صورة من كان ينزل به من الأضياف، إذ كان لا ينزل به أحد إلى ضافه، وكان يكنى أبا الضيفان. وكان لقصره أربعة أبواب، من كل جهة باب، لئلا يفوته أحد. والضيف أصله المصدر، والأفصح أن لا يثنى ولا يجمع للمثنى والمجموع، ولا حاجة إلى تكلف إضمار كما قاله النحاس وغيره من تقدير : أصحاب ضيف. وسلاماً مقتطع من جملة محكية بقالوا، فليس منصوباً به، والتقدير : سلمت سلاماً من السلامة، أو سلمنا سلاماً من التحية. وقيل : سلاماً نعت لمصدر محذوف تقديره : فقالوا قولاً سلاماً، وتصريحه هنا بأنه رجل منهم، كان بعد تقريبه إليهم ما أضافهم به وهو العجل الحنيذ، وامتناعهم من الأكل وفي هو ذاته أوجس في نفسه خيفة، فيمن أنّ هذا التصريح كان بعد إيجاس الخيفة. ويحتمل أن يكون القول هنا مجازاً بأنه ظهرت عليه مخايل الخوف حتى صار كالمصرح به القائل.
وقرأ الجمهور : لا توجل مبنياً للفاعل. وقرأ الحسن : بضم التاء مبنياً للمفعول من الإيجال. وقرىء : لا تاجل بإبدال الواو ألفاً كما قالوا : تابة في توبة. وقرىء : لا تواجل من واجله بمعنى أوجله. إنا نبشرك استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل، أي : إنك بمثابة الآمن المبشر فلا توجل. والمبشر به هو إسحاق، وذلك بعد أنْ ولد له إسماعيل وشب بشروه بأمرين : أحدهما : أنه ذكر. والثاني : وصفه بالعلم على سبيل المبالغة. فقيل : النبوة كقوله تعالى :) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً ( وقيل : عليم بالدين.
وقرأ الأعرج : بشرتموني بغير همزة الاستفهام، وعلى أنّ مسني الكبر في موضع الحال. وقرأ ابن محيصن : الكبر بضم الكاف وسكون الباء، واستنكر إبراهيم عليه السلام أنْ يولد له مع الكبر. وفبم تبشرون، تأكيد استبعاد وتعجب، وكأنه لم يعلم أنهم ملائكة رسل الله إليه، فلذلك استفهم، واستنكر أن يولد له. ولو علم أنهم رسل الله ما تعجب ولا استنكر، ولا سيما وقد رأى من آيات الله عياناً كيف أحيا الموتى. قال الزمخشري : كأنه قال : فبأيّ أعجوبة تبشروني، أو أراد أنكم تبشرونني بما هو غير متصور في العادة، فبأي شيء تبشرون ؟ يعني : لا تبشروني في الحقيقة بشيء، لأنّ البشارة بمثل هذا بشارة بغير شيء. ويجوز أن لا تكون صلة لبشر، ويكون سؤالاً على الوجه والطريقة يعني : بأي طريقة تبشرونني بالولد، والبشارة به لا طريقة لها في العادة انتهى. وكأنه قال : أعلى وصفي بالكبر، أم على أني أرد إلى الشباب ؟ وقيل : لما استطاب البشارة أعاد السؤال، ويضعف هذا


الصفحة التالية
Icon