" صفحة رقم ٤٦٢ "
ثقل. وقيل : الأجسام لقوله تعالى :) وَأَخْرَجَتِ الارْضُ أَثْقَالَهَا ( أي أجساد بني آدم. وقوله : إلى بلد، لا يراد به معين أي : إلى بلد بعيد توجهتم إليه لأغراضكم. وقيل : المراد به معين وهو مكة، قاله : ابن عباس، وعكرمة، والربيع بن أنس. وقيل : مدينة الرسول. وقيل : مصر. وينبغي حمل هذه الأقوال على التمثيل لا على المراد، إذ المنة لا تختص بالحمل إليها. ولم تكونوا بالغيه صفة للبلد، ويحتمل أن يكون التقدير بها، وذلك تنبيه على بعد البلد، وأنه مع الاستعانة بها بحمل الأثقال لا يصلون إليه إلا بالمشقة. أو يكون التقدير : لم تكونوا بالغيه بأنفسكم دونها إلا بالمشقة عن أن تحملوا على ظهوركم أثقالكم. وقرأ الجمهور : بشق بكسر الشين. وقرأ مجاهد، والأعرج، وأبو جعفر، وعمر بن ميمون، وابن أرقم : بفتحها. ورويت عن نافع وأبي عمرو، وهما مصدران معناهما المشقة. وقيل : الشق بالفتح المصدر، وبالكسر الاسم، ويعني به : المشقة. وقال الشاعر في الكسر : وذي إبل يسعى ويحسبها له
أخي نصب من شقها ودؤوب
أي مشقتها. وشق الشيء نصفه، وعلى هذا حمله الفراء هنا أي : يذهبان صف الأنفس، كأنها قد ذابت تعباً ونصباً كما تقول : لا تقدر على كذا إلا بذهاب جل نفسك، وبفطعة من كبدك. ونحو هذا من المجاز. ويقال : أخذت شق الشاة أي نصفها والشق : الجانب، والأخ الشقيق، وشق اسم كاهن. وناسب الامتنان بهذه النعمة من حملها الأثقال الخثم بصفة الرأفة والرحمة، لأن من رأفته تيسير هذه المصالح وتسخير الأنعام لكم. ولما ذكر تعالى مننه بالأنعام ومنافعها الضرورية، ذكر الامتنان بمنافع الحيوان التي ليست بضرورية. وقرأ الجمهور : والخيل وما عطف عليه بالنصب عطفاً على والأنعام. وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع. ولما كان الركوب أعظم منافعها اقتصر عليه، ولا يدل ذلك على أنه لا يجوز لكل الخيل، خلافاً لمن استدل بذلك. وانتصب وزينة، ولم يكن باللام، ووصل الفعل إلى الركوب بوساطة الحرف، وكلاهما مفعول من أجله، لأن التقدير : خلقها، والركوب من صفات المخلوق لهم ذلك فانتفى شرط النصب، وهو : اتحاد الفاعل، فعدى باللام. والزينة من وصف الخالق، فاتحد الفاعل، فوصل الفعل إليه بنفسه. وقال ابن عطية : وزينة نصب بإضمارفعل تقديره : وجعلناها زينة. وروى قتادة عن ابن عباس : لتركبوها زينة بغير واو. قال صاحب اللوامح : والزينة مصدر أقيم مقام الاسم، وانتصابه على الحال من الضمير في خلقها، أو من لتركبوها. وقال الزمخشري : أي وخلقها زينة لتركبوها، أو يجعل زينة حالاً من هاء، وخلقها لتركبوها وهي زينة وجمال. وقال ابن عطية : والنصب حينئذ على الحال من الهاء في تركبوها. والظاهر نفي العلم عن ذوات ما يخلق تعالى، فقال الجمهور : المعنى ما لا تعلمون من الآدميين والحيوانات والجمادات التي خلقها كلها لمنافعكم، فأخبرنا بأن له من الخلائق ما لا علم لنا به، لنزداد دلالة على قدرته بالإخبار، وإنْ طوى عنا علمه حكمة له في طيه، وما خلق تعالى من الحيوان وغيره لا يحيط بعلمه بشر. وقال قتادة : ما لا تعلمون، أصل حدوثه كالسوس في النبات والدود في الفواكه. وقال ابن بحر : لا تعلمون كيف يخلقه. وقال مقاتل : هو ما أعد الله لأوليائه في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. قال الطبري : وزاد بعد في الجنة وفي النار لأهلها، والباقي بالمعنى.
ورويت تفاسير في : ما لا تعلمون في الحديث عن ابن عباس، ووهب بن منبه، والشعبي، الله أعلم بصحتها. ويقال : لما ذكر الحيوان الذي ينتفع به انتفاعاً ضرورياً وغير ضروري، أعقب بذكر الحيوان الذي لا ينتفع به غالباً على سبيل الإجمال، إذ تفاصيله خارجة عن الإحصاء والعد، والقصد مصدر يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه، والسبيل هنا مفرد