" صفحة رقم ٤٦٩ "
يشعرون )، إخباراً عن المدعوين، ويبعثون : إخباراً عن الداعين العابدين. وقرأ أبو عبد الرحمن إيان بكسر الهمزة، وهي لغة قومه سليم. والظاهر أنّ قوله : إيان، معمول ليبعثون، والجملة في موضع نصب بيشعرون، لأنه معلق. إذ معناه العلم. والمعنى : أنه نفى عنهم علم ما انفرد بعلمه الحي القيوم، وهو وقت البعث إذا أريدبالبعث الحشر إلى الآخرة. وقيل : تم الكلام عند قوله : وما يشعرون. وأيان يبعثون ظرف لقوله : آلهكم إله واحد، أخبر عن يوم القيامة أنّ الإله فيه واحد انتهى. ولا يصح هذا القول لأنّ أيان إذ ذاك تخرج عما استقر فيها من كونها ظرفاً، إما استفهاماً، وإما شرطاً. وفي هذا التقدير تكون ظرفاً بمعنى وقت مضافاً للجملة بعدها، معمولاً لقوله : واحد، كقولك : يوم يقوم زيد قائم. وفي قوله : أيان يبعثون دلالة على أنه لا بد من البعث، وأنه من لوازم التكليف. ولما ذكر تعالى ما اتصفت به آلهتهم بما ينافي الألوهية، أخبر تعالى أنّ إله العالم هو واحد لا يتعدد ولا يتجزأ وأن الذين لا يؤمنون بالجزاء بعد وضوح بطلان أن تكون الإلهية لغيره بل له وحده، هم مستمرون على شركهم، منكرون وحدانيته، مستكبرون عن الإقرار بها، لاعتقادهم الإلهية لأصنامهم وتكبرها في الوجود. ووصفهم بأنهم لا يؤمنون بالآخرة مبالغة في نسبة الكفر إليهم، إذ عدم التصديق بالجزاء في الآخرة يتضمن التكذيب بالله تعالى وبالبعث، إذ من آمن بالبعث يستحيل أن يكذب الله عز وجل. وقيل : مستكبرون عن الإيمان برسول الله وأتباعه. وقال العلماء : كل ذنب يمكن التستر به وإخفاؤه إلا التكبر فإنه فسق يلزمه الإعلان. وفي الحديث الصحيح :( إنالمستكبرين يجيؤون أمثال الذر يوم القيامة، يطؤهم الناس بأقدامهم ) أو كما قال ( ﷺ ) )، وتقدم الكلام في ) لاَ جَرَمَ ( في هود. وقرأ عيسى الثقفي إن بكسر الهمزة على الاستئناف والقطع مما قبله. وقال بعض أصحابنا : وقد يغني لا جرم عن لفظ القسم، تقول : لا جرم لآتينك، فعلى هذا يكون لقوله : إن الله بكسر الهمزة تعلق بلا جرم، ولا يكون استئنافاً. وقد قال بعض الأعراب لمرداس الخارجي : لا جرم والله لأفارقنك أبداً، نفى كلامه تعلقها بالقسم. وفيقوله : يعلم ما يسرون وما يعلنون وعيد وتنبيه على المجازاة، وقال يحيى بن سلام، والنقاش : المراد هنا بما يسرون تشاورهم في دار الندوة في قتل النبي ( ﷺ ) ) انتهى. ولا يحب المستكبرين عام في الكافرين والمؤمنين، يأخذ كل واحد منهم بقسطه.
( وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالو أساطير الأولين ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ( ﷺ ) ) قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخرّ عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بل إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ). قيل : سبب نزول وإذا قيل لهم الآية، أنّ النضر بن الحرث سافر عن مكة إلى الحيرة، وكان قد اتخذ كتب التواريخ والأمثال ككليلة ودمنة، وأخبار اسفنديار ورستم، فجاء إلى مكة فكان يقول : إنما يحدث محمد بأساطير الأولين وحديثي أجمل من حديثه. وما كلمة استفهام مفعول بأنزل، أو مبتدأ خبره ذا بمعنى الذي، وعائده في


الصفحة التالية
Icon