" صفحة رقم ١٢٨ "
على المصدر الموضوع موضع الحال أي مصطفين. وقيل : المعنى ) صَفَّا ( صفاً فحذف صفاً وهو مراد، وهذا التكرار منبيء عن استيفاء الصفوف إلى آخرها، شبه حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان مصطفين ظاهرين يرى جماعتهم كما يرى كل واحد لا يحجب أحد أحداً.
( لَّقَدْ جِئْتُمُونَا ( معمول لقول محذوف أي وقلنا ) كَمَا خَلَقْنَاكُمْ ( نعت لمصدر محذوف أي مجيئاً مثل مجيء خلقكم أي ( حفاة عراة غرلاً ) كما جاء في الحديث، وخالين من المال والولد و ) ءانٍ ( هنا مخففة من الثقيلة. وفصل بينها وبين الفعل بحرف النفي وهو ) لَنْ ( كما فصل في قوله ) أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن لَنْ نَّجْمَعَ ( و ) بَلِ ( للإضراب بمعنى الانتقال من خبر إلى خبر ليس بمعنى الإبطال، والمعنى أن لن نجمع لإعادتكم وحشركم ) مَّوْعِدًا ( أي مكان وعد أو زمان وعد لإنجاز ما وعدتم على ألسنة الأنبياء من البعث والنشور، والخطاب في ) لَّقَدْ جِئْتُمُونَا ( للكفار المنكرين البعث على سبيل تقريعهم وتوبيخهم.
الكهف :( ٤٩ ) ووضع الكتاب فترى.....
( وَوُضِعَ الْكِتَابُ ( وقرأ زيد بن عليّ ) وَوُضِعَ ( مبنياً للفاعل ) الْكِتَابِ ( بالنصب. و ) الْكِتَابِ ( اسم جنس أي كتب أعمال الخلق، ويجوز أن تكون الصحائف كلها جعلت كتاباً واحداً ووضعته الملائكة لمحاسبة الخلق وإشفاقهم خوفهم من كشف أعمالهم السيئة وفضحهم وما يترتب على ذلك من العذاب السرمدي، ونادوا هلكتهم التي هلكوا خاصة من بين الهلكات فقالوا يا ويلنا والمراد من بحضرتهم كأنهم قالوا يا من بحضرتنا انظروا هلكتنا، وكذا ما جاء من نداء ما لا يعقل كقوله ) فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ ( ) نَفْسٌ ياحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطَتُ ( ) قَالُواْ ياوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ( وقول الشاعر : يا عجباً لهذه الفليقة
فيا عجباً من رحلها المتحمل
إنما يراد به تنبيه من يعقل بالتعجب مما حل بالمنادي. و ) لاَ يُغَادِرُ ( جملة في موضع الحال. وعن ابن عباس : الصغيرة التبسم والكبيرة القهقهة. وعن ابن جبير : القبلة والزنا وعن غيره السهو والعمد. وعن الفضيل ضجوا والله من الصغائر قبل الكبائر، وقدمت الصغيرة اهتماماً بها، وإذا أحصيت فالكبيرة أحرى ) إِلاَّ أَحْصَاهَا ( ضبطها وحفظها ) وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا ( في الصحف عتيداً أو جزاء ما عملوا. ) وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ( فيكتب عليه ما لم يعمل أو يزيد في عقابه الذي يستحقه أو يعذبه بغير جرم. قال الزمخشري : كما يزعم من ظلم الله في تعذيب أطفال المشركين انتهى. ولا يقال : إن ذلك ظلم منه تعالى لأنه تعالى كل مملوكون له فله أن يتصرف في مملوكيه بما يشاء، لا يسأل عما يفعل، والصحيح في أطفال المشركين أنهم يكونون في الجنة خدماً لأهلها نص عليه في البخاري عن رسول الله ( ﷺ ) ).
الكهف :( ٥٠ ) وإذ قلنا للملائكة.....
( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُواْ لاِدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً مَّا ).
ذكروا في ارتباط هذه الآية بما قبلها أنه تعالى لما أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بمجالسة الفقراء وكان أولئك المتكبرون قد تأنفوا عن مجالستهم، وذكروا للرسول ( ﷺ ) ) طردهم عنه وذلك لما جبلوا عليه من التكبر والتكثر بالأموال والأولاد وشرف الأصل والنسب، وكان أولئك الفقراء بخلافهم في ذلك ناسب ذكر قصة إبليس بجامع ما اشتركا فيه من التكبر والافتخار بالأصل الذي خلق منه وهذا الذي ذكروه في الإرتباط هو ظاهر بالنسبة للآيات السابقة قبل ضرب المثلين، وإما أنه واضح بالنسبة لما بعد المثلين فلا والذي يظهر في إرتباط هذه الآية بالآية التي قبلها هو أنه لما ذكر يوم القيامة والحشر وذكر خوف المشركين مما سطر في ذلك الكتاب، وكان إبليس هو الذي حمل المجرمين على معاصيهم واتخاذ شركاء مع الله ناسب ذكر إبليس والنهي


الصفحة التالية
Icon