" صفحة رقم ١٦٣ "
إلاّ آية السجدة فهي مدنية نزلت بعد مهاجرة المؤمنين إلى الحبشة. ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى ضمن السورة قبلها قصصاً عجباً كقصة أهل الكهف، وقصة موسى مع الخضر، وقصة ذي القرنين، وهذه السورة تضمنت قصصاً عجباً من ولادة يحيى بين شيخ فان وعجوز عاقر، وولادة عيسى من غير أب، فلما اجتمعا في هذا الشيء المستغرب ناسب ذكر هذه السورة بعد تلك، وتقدم الكلام في أول البقرة على هذه الحروف المقطعة التي في فواتح السور بما يوقف عليه هناك و ) ذُكِرَ ( خبر مبتدأ محذوف أي هذا المتلو من هذا القرآن ) ذُكِرَ ). وقيل ) ذُكِرَ ( خبر لقوله ) كهيعص ( وهو مبتدأ ذكره الفرّاء. قيل : وفيه بُعد لأن الخبر هو المبتدأ في المعنى وليس في الحروف المقطعة ذكر الرحمة، ولا في ذكر الرحمة معناها. وقيل :) ذُكِرَ ( مبتدأ والخبر محذوف تقديره فيما يتلى ) ذُكِرَ ).
وقرأ الجمهور كاف بإسكان الفاء. وروي عن الحسن ضمها، وأمال نافع هاء وياء بين اللفظين، وأظهر دال صاد عند ذاك. ) ذُكِرَ ( وقرأ الحسن بضم الهاء وعنه أيضاً ضم الياء وكسر الهاء، وعن عاصم ضم الياء وعنه كسرهما وعن حمزة فتح الهاء وكسر الياء. قال أبو عمرو الداني : معنى الضم في الهاء والياء إشباع التفخيم وليس بالضم الخالص الذي يوجب القلب. وقال أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن المقري الرازي في كتاب اللوامح في شواذ القراءات خارجة عن الحسن : كاف بضم الكاف، ونصر بن عاصم عنه بضم الهاء وهارون بن موسى العتكي عن إسماعيل عنه بالضم، وهذه الثلاث مترجم عليها بالضم ولسن مضمومات المحال في الحقيقة لأنهن لو كنّ كذلك لوجب قلب ما بعدهن من الألفات واوات بل نحيت هذه الألفات نحو الواو على لغة أهل الحجاز، وهي التي تسمى ألف التفخيم بضد الألف الممالة فأشبهت الفتحات التي تولدت منهن الضمات، وهذه الترجمة كما ترجموا عن الفتحة الممالة المقربة من الكسرة بكسرة لتقريب الألف بعدها من الياء انتهى.
وقرأ أبو جعفر بتقطيع هذه الحروف وتخليص بعضها من بعض فرقاً بينها وبين ما ائتلف من الحروف، فيصير أجزاء الكلم فاقتضين إسكان آخرهن، وأظهر الأكثرون دال صاد عند ذال ) ذُكِرَ ( وأدغمها أبو عمرو. وقرأ حفص عن عاصم وفرقة بإظهار النون من عين والجمهور على إخفائها.
وقرأ الحسن وابن يعمر ) ذُكِرَ ( فعلاً ماضياً ) رَحْمَةً ( بالنصب، وحكاه أبو الفتح وذكره الزمخشري عن الحسن أي هذا المتلو من القرآن ) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبّكَ ( وذكر الداني عن ابن يعمر ) ذُكِرَ ( فعل أمر من التذكير ) رَحْمَةً ( بالنصب و ) عَبْدِهِ ( نصب بالرحمة أي ) ذُكِرَ ( أن ) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبّكَ ). وذكر صاحب اللوامح أن ) ذُكِرَ ( بالتشديد ماضياً عن الحسن باختلاف وهو صحيح عن ابن يعمر، ومعناه أن المتلو أي القرآن ) ذُكِرَ بِرَحْمَةٍ رَبَّكَ ( فلما نزع الباء انتصب، ويجوز أن يكون معناه أن القرآن ذكر الناس تذكيراً أن رحم الله عبده فيكون المصدر عاملاً في ) عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ( لأنه ذكرهم بما نسوه من رحمة الله فتجدد عليهم بالقرآن ونزوله على النبيّ ( ﷺ ) )، ويجوز أن يكون ) ذُكِرَ ( على المضي مسنداً إلى الله سبحانه.
وقرأ الكلبي ) ذُكِرَ ( على المضي خفيفاً من الذكر ) رَحْمَةِ رَبّكَ ( بنصب التاء ) عَبْدِهِ ( بالرفع بإسناد الفعل إليه. وقال ابن خالويه :) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبّكَ عَبْدَهُ ( يحيى بن يعمر و ) ذُكِرَ ( على الأمر عنه أيضاً انتهى.
و ) إِذْ ( ظرف العامل فيه قال الحوفي :) ذُكِرَ ( وقال أبو البقاء : و ) إِذْ ( ظرف لرحمة أو لذكر انتهى. ووصف نداء بالخفي. قال ابن جريج : لئلا يخالطه رياء. مقاتل : لئلا يعاب بطلب الولد في الكبر. قتادة : لأن السر والعلانية عنده تعالى سواء. وقيل : أسره من مواليه الذين خافهم. وقيل : لأنه أمر دنياوي فأخفاه لأنه إن أجيب فذاك بغيته، وإلاّ فلا يعرف ذلك أحد. وقيل : لأنه كان في جوف الليل. وقيل : لإخلاصه فيه فلا يعلمه إلاّ الله. وقيل : لضعف صوته بسبب كبره، كما قيل : الشيخ صوته خفات وسمعه تارات. وقيل : لأن الإخفاء سنة الأنبياء والجهر به يعد من الاعتداء. وفي التنزيل ) ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ). وفي الحديث :( إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً ).
( قَالَ رَبّ إِنّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنّى ( هذه كيفية دعائه وتفسير ندائه.
مريم :( ٤ ) قال رب إني.....
وقرأ الجمهور :) وَهَنَ ( بفتح الهاء. وقرأ الأعمش بكسرها. وقرىء بضمها لغات ثلاث، ومعناه ضعف وأسند الوهن إلى العظم لأنه عمود